لا يكاد يخلو مقال أو حوار إعلامى فى هذه الأيام من التعريض بالدستور واللجنة التأسيسية للدستور، وإن كان ما قاله الدكتور عمرو حمزاوى، قد أثار الكثير من الجدل وهى الحالة نفسها التى تلت لقاء الدكتور البرادعى مع سامح عاشور وحمدين صباحى وبعض ممن يحلو لهم أن يوصفوا بالنخبة تمييزا لهم عن بقية الشعب الذى يراه هؤلاء الإخوان النخبويون جاهلا لا يعرف كيف يختار ولا يعى مصلحته، وبالتالى فهذا الشعب فاقد للأهلية ووجب على هؤلاء النخبويين قيادته لما يرونه الصالح وعزله عمن يرونهم ليسوا أهلا للسياسة من الأساس، (ليس فقط أن يقودوا المشهد فى المرحلة الآنية)، بل يرونهم لا يستحقون العيش فى القرون الحالية، إن أمكن، وهم يتناسون أن من يعادوهم هم جزء لا يتجزأ من الشعب المصرى وثقافة هذا القطاع تُعد أهم روافد الحضارة المصرية والعربية على مدى العصور، وأى محاولة لاجتثاث هذا الرافد لن تلبس إلا أن تنتهى بعزلهم هم عن المجتمع، (وهذا السائر فى الوقت الحالى وإن لم يستشعروه). لا أدرى إن كان هذا التزامن مصادفة بين حديث الدكتور حمزاوى وموقف الدكتور البرادعى والحملة الإعلامية المنظمة والتى دأبت على افتعال الأقوال وقلب الحقائق حتى يصير شواذ المقترحات هى عقيدة اللجنة وتكون استنتاجات من وحى خيال متربص هى عين الحقيقة. عندما رأيت الإصرار من النخبويين على تضمين الرق والاتجار بالنساء احترت، فمصر انتهت بها العبودية فعليا قبل أن تجوب سفن الأوروبيين شواطئ إفريقيا لجلب من هم إخوانهم فى البشرية لأسواق النخاسة، وزال هذا العجب، (وأُكرر الدعوة للتصحيح إن كنت أخطأت) عندما علمت أن هناك من يعتبر مهر العروس الصغيرة فى السن هو من الاتجار بالبشر ويسعون حثيثين لضم ذلك فى الدستور حتى يكون التجريم قطعى بنص دستورى ويتبعون فى ذلك آلتهم الإعلامية، فيوحون للناس أن السلفيين مصرون على خفض سن الزواج للتاسعة وهو ما لم يحدث أصلا, فضلا على أن العقل والمنطق يقضيان أن هذه التفصيلات لا يمكن أن يتضمنها الدستور الذى يضم مبادئ وليس قوانين. ولابد لى أن أعلق على اجتماع الدكتور البرادعى مع سامح عاشور وبعض التيارات اليسارية والناصرية وليس يجمعهم إلا معاداة لطرف بعينه، ومن شك فى ذلك، فعليه أن يجيب لِمَ لَمْ يدعوا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وله مؤيدوه ما يماثل أو يزيد عن كثير منهم؟ اجتمع هؤلاء، لا للبناء بل للهدم دونما أن يرونا البديل، تباكوا دهورا على طول المرحلة الانتقالية، ولكنهم يعمدون فى الوقت ذاته لإطالتها وإدخال البلاد فى حلقات مفرغة، كلما اشتد بناء نقضوه، حتى صرنا لا ندرى أنبنى أم نهدم. أما د.البرادعى فقد هرب من استحقاقات المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد، متعللا أن الرئيس لن تكون له صلاحيات، وفى الحقيقة كان يحفظ نفسه واسمه عن التورط فى مرحلة شائكة قد لا يكتب لها أن تطول، وفى الوقت نفسه لن يسلم من يستلم الدفة فيها من كثرة المشاكل وتشابكها وإلا فليعلل مريدوه فيما كانت زياراته المتعددة للمشير طنطاوى، (برغبة وإلحاح من الدكتور البرادعى نفسه كما تسرب)، وإبداء استعداده ليكون قائدا للمرحلة الانتقالية أو حتى رئيسا للوزراء أو (بشروطه). نهاية القول.. إن الدكتور البرادعى والدكتور حمزاوى دُعيا غير ذات مرة للمشاركة فى اللجنة التأسيسية، (الأخير رُشح مرتين وانسحب بحكاية سينمائية بعد أن ادعى استشارة الذين انتخبوه ثم خالف ما أشاروا به)، ولو فعلا هم وأقرانهم لانتهت حجة العوار التى يتحدثون عنها ليل نهار، فأى زيادة فى أعداد من ينتمون إلى التيار الليبرالى يصاحبه نقص فى نسبة الذين يحسبون على الإسلاميين (بسبب وبدون سبب حتى وإن كان سبب ذلك أنه يحافظ على الصلاة فى وقتها)، لكنهم أبوا إلا والهدم دون بيان البديل، فهل هى لجنة يشكلها الرئيس ونقضى عمراً آخر فى رفضها أيضا، (لأن من شكلها من الإسلاميين ولن يأتى إلا بمثله)، أم نعيد إحياء المجلس العسكرى (كما يحاول أبو العز الحريرى) ومن ثم الإعلان الدستورى المكمل الأول، أما كما تمنى الدكتور حازم أبو إسماعيل، (وأتباعه ولا أحد ينكر أنهم كثيرون) أن يُجرى انتخاب مباشر للجنة من الشعب ووقتها قد يندم هؤلاء الإخوان النخبويون إن خابت حساباتهم. أُقر أننى لم أرض عن ترشيح الدكتور محمد مرسى فى البداية كحال كثير من المصريين وكتبت فى حينها، كما أقر أن انتخبته على مضض فى المرحلة الثانية، وأنى عتبت على إخوة لنا الاستئثار بالمشهد وكنت فيمن سدد إليهم السهام لوما على عدم تعاونهم مع الليبراليين واليساريين، ولكنى اليوم أرى الأمر بصورة أخرى، فهؤلاء الذين خاضوا الانتخابات على قوائم الحرية والعدالة (حزب الكرامة وكمال أبوعيطة)، وكان ذلك سببا مباشرا فى نجاحهم ومن كانت توقيعات الإخوان (وكانت بمثابة قوائم مهداة مجانا لأمن الدولة فى حينها بكل التفاصيل ومنها الرقم القومى) سببا كافيا ليتكلم عن ثقة وهم الآن لا يرون المشهد إلا بعد خلوه من الإسلاميين وإقصائهم، كلهم بلا استثناء بمن فيهم دكتور عبد المنعم أبوالفتوح مستعدون للتضحية بمصلحة الوطن والدوران فى حلقات مفرغة من تشكيل لجان تأسيسية ونقضها وتصدير رؤية للعالم مفادها أن الوضع السياسى غير مستقر فى مصر. اليوم أنا أرى هذه النخبة لا تستحق أن توقف العجلة انتظارا لما سوف يقررونه، فهم لا يرون صالح الوطن إلا وهم فى الصدارة ولا يعملون إلا وهم فى المقدمة، هؤلاء هم الإخوان النخبويون.