(الدستور أولا، مجلس رئاسي مدني، تأجيل الانتخابات)، وغيرها من المطالب التي يطالب بها النخبويون، وإذا دققت النظر ونظرت في التفسير الذي يقدموه لمطالبهم؛ لعلمت فعلا انهم يقدمون مطالبهم من منطلق (النخبوية)، بمعنى أوضح هم الأنضج والأكثر معرفة وثقافة وبالتالي فهم الأوصياء على الشعب المصري، ويعرفون مصلحته التي لا يستطيع الشعب إدراكها. ويذكرنا ذلك بما كان يقوله ويعتقده أحمد نظيف، وجمال مبارك، وأحمد عز؛ نفس الأفكار، ونفس العقول، ونفس الرؤية للمجتمع؛ والاختلاف فقط في الأسماء والوجوه. فإذا نظرنا مثلا لمطلب (الدستور أولا)، وسألنا ايا من مريدي هذا المطلب: لماذا تطالب بالدستور أولا وقد حسم الاستفتاء هذه القضية؟ فتراه ينظر إليك من برجه العاجي قائلا: أي استفتاء تقصد ؟؟الاستفتاء الذي ضحك الإسلاميون على الشعب المصري باسم الدين، وجعلوه مسألة كفر وإيمان؟؟ ومن هذا المنطلق أيضا طالبوا بتأجيل الانتخابات؛ خوفا من سذاجة الشعب المصري، التي سيستغلها الإسلاميون ليستولوا على أغلبية المقاعد. إذا فالشعب المصري ساذج يُضحك عليه باسم الدين فهو شعب متخلف ورجعي وغير واعي ويسهل اللعب بعقله وقد نسي هؤلاء المتحذلقون أنهم دائما نسبوا لرموز الإسلاميين من علمائهم وشيوخهم تثبيط الناس عن الخروج للمظاهرات والثورة -على حد تعبيرهم وادعائهم-؛ فإن كان الشعب المصري يساق كالأنعام؛ فلماذا لم يسمع الشعب لرجال الدين ونزلوا إلى الثورة بالملايين؟؟ فهذا دليل دامغ من تصريحاتهم على فطنة الشعب المصري، وأنه إذا أراد أمرا فلا يستطيع أحد أن يثنيه عن رأيه وهب أن ما يقوله هؤلاء صحيح والشعب فعلا غير واعي، فمن نصبَكم أوصياء على الشعب تتخذوا قراراته المصيرية نيابة عنه رحم الله القذافي المفوه :من أنتم ؟؟ من أنتم؟؟ ماهي الميزة او الصلاحية التي تميز هؤلاء عن باقي أفراد الشعب ليحددوا مصيره نيابة عنه بأي حجة كانت وقد خرج علينا قريبا رمز من رموز الليبرالية يتحدث عن مواد فوق دستورية ويتكلم عن ديكتاتورية الأغلبية، ويا للعجب!!! (أصبحت الأغلبية ديكتاتورية الآن)؛ واستند المفكر العظيم بأن هذه المواد الفوق دستورية هي حماية للإسلاميين أنفسهم بحجة أن الأغلبية من الممكن أن تتفق على حذف المادة الثانية؛ وبهذا تُعارض التوافق المجتمعي على ضرورة وجود هذه المادة؛ لأنها من قيم المجتمع التي لا تتجزء عنه، ويا للهول!! أرأيتم لعبا بالعقول والكلمات مثل هذا؟! أي توافق مجتمعي على المادة الثانية يقصد هذا النخبوي إذا رأت الأغلبية حذف المادة الثانية؟ كيف سيحصل هذا التوافق المجتمعي إذا حدث أن أغلبية المجتمع ترفض؟!!! وبهذا الدهاء مرر سيادته ضرورة إعداد مشروع للمواد فوق الدستورية؛ ليحرم الشعب من تحديد مصيره ويجعل له أوصياء يحموه من نفسه الساذجة والقاصي والداني يعلم جيدا أنه لو نجحت محاولات النخبة ورجال الدين المسيحي في تدشين الناس لقول لا في الاستفتاء الدستوري، وكانت الأغلبية لهم وأخذ الإسلاميون دور النخبة الأن بالاعتراض على رأي الأغلبية والمطالبة بالانتخابات اولا بنفس حجة النخبويين (وهي ان الشعب المصري شعب ساذج وضُحك عليه لثقته في رموز الإعلام ورجال الدين المسيحي) لقامت الدنيا ولم تقعد وسيكون رد فعل النخبويين حينها أن الإسلاميين ضد الديمقراطية والأغلبية وأنهم متخلفون ساديون ديكتاتوريون مهلبيون لا يحترمون الشرعية ولا القانون ولا الدستور ولا الشنيور.....إلخ إلخ إلخ وهذا ما يؤكد أن هذه المصطلحات تستخدم لخدمتهم لاغير، وانها قابلة للتغيير والتبديل حسب المصلحة؛ فإن كانت لهم أطلقوا عليها (ديمقراطية) وإن كانت عليهم كانت (ديكتاتورية أغلبية)؛ إن كانت لهم نعتوا الشعب (بالذكي العبقري الفذ، الذي لا يستطيع ادهى رجال الأرض اللعب بعقله، ولو كان مبارك نفسه) وإن كانت عليهم أصبح الشعب (ساذج، متخلف، يساق كالأنعام)، وهذا ما يؤكد تعاملهم بنظرية الغاية تبرر الوسيلة والمصلحة أولا واخيرا ومما يؤكد ذلك مثلا أن هؤلاء لم يفكروا مطلقا في الحل المنطقي الوحيد لمشكلة سذاجة الشعب وتخلفه -حسب ما يرون- ألا وهو: (توعيته) وعلى عكس هؤلاء تماما ترى أفعال الإسلاميين؛ فبرغم ثقتهم في ذكاء الشعب المصري، والاعتراف بحقه الدستوري -مما يزيد من تبادل هذه الثقة من جانب الشعب ناحية الإسلاميين- برغم ذلك تجدهم منذ اللحظة الأولى التي سُمح لهم بالحرية وهم يتنقلون، ويسافرون، ويذهبون هنا وهناك من أقصى مصر إلى أقصاها، يتحركون بين الناس، يعلمونهم، ويقومون بتوعيتهم وتثقيفهم، ويقدمون لهم الخدمات على قدر استطاعتهم؛ مما زاد ورفع من ثقة الناس فيهم وحبهم وتبعيتهم لهم، بعكس هؤلاء المتعجرفون القاعدون فوق أبراجهم، ينظرون إلى الشعب بحقارة يتهمونه بالتخلف والرجعية، ولا ترى لهم أي نفع أو أثر ثم يندهشوا من تبعية الناس للإسلاميين! ونحن نندهش من هذه النفسيات!!! وأظن أن هؤلاء هم نتاج النظام السابق، ولو استولى هؤلاء على السلطة؛ سنجد استبدادا مباركيا أخر بنفس الحجج والأسباب والطرافة في هذا الموضوع: أننا نلاحظ علاقة طردية بين نظرة النخبة للشعب، ونظرة الشعب للنخبة فكلما احتقرت الطائفة النخبوية الشعب المصري؛ كلما سقطوا من أعين الجماهير وتبعوا الإسلاميين، وكلما تابعوا الإسلاميين، زادت حقارة النخبة لهم وزادت اتهاماتهم بالسذاجة؛ مما يزيد من زيادة سقوط رموز النخبة من أعين الجماهير، وهكذا دواليك، حتى أصبحت الفجوة بينهم وبين عامة الناس من الشعب المصري أكبر من أن توصف. وأنا كمواطن مصري أرفض مطلقا أي وصاية من أي نوع على حقي الدستوري والقانوني في اختيار ما أريد، فلتقدم القوى السياسية برامجها، وتترك للشعب حرية الاختيار ولا عزاء للنخبة