من أخطر إمكانات العقل الشيطاني هي قدرته على إنتزاع أوراق القوة من خصمه وتوظيفها لصالح أجندته. فالمقاومة الفلسطينية تتحول إلى أداة لإبتزاز سوريا والضغط على (حزب الله) ، والأخير تحول بدوره إلى أداة للضغط على سوريا وإيران بتهمة دعم الإرهاب . والعمليات الإستشهادية ، التي تمثل أنبل أنواع التضحية ، أصبحت أداة لوصم المسلمين بالإرهاب ، حتى أصبح مستحيلا أن ترى عربيا أو مسلما في دول الغرب يجرؤ على إعلان تأييده لهذه العمليات . بتعبير آخر، فإن إسرائيل وعصابتها العميلة في واشنطن لم تنجحا فقط في خطف الإدارة الأمريكية وقرارها وتوظيف قوة أميركا لصالح المشروع الصهيوني ، وخطف قرارات الأنظمة العربية وتوظيفها لصالح نبذ المقاومة ثم التطبيع مع إسرائيل ، وإنما أيضا نجحت في خطف فعل المقاومة نفسه وتوظيفه لصالحها كما كان الأمر خلال إنتفاضة الأقصى : في كل مرة حاولت فيها جماعات المقاومة تثبيت هدنة ووقف إطلاق نار، كان شارون يستمر في عمليات القتل والهدم . وكلما استمر ضبط النفس من الجانب الفلسطيني ، كانت الوحشية الإسرائيلية تتصاعد وصولا إلى إغتيال قيادة كبيرة بهدف دفع المقاومة إلى القيام بعمليات أخرى يسقط فيها مزيد من الإسرائيليين لتبرير مزيد من الوحشية ضد الفلسطينيين . أي أن شارون كان يتعمد التضحية بأرواح اليهود من أجل تأمين صمت حكومات الغرب على تصعيد درجة الهمجية في حربه على الشعب الفلسطيني ، تماما كما جرى التضحية بثلاثة آلاف أمريكي في واقعة 11/9 من أجل إطلاق أجندة (المحافظين الجدد) ، وكما يجري التضحية الآن بأرواح الشباب الأمريكي في العراق من أجل تأمين هيمنة إسرائيل على المنطقة . آخر نجاحات العقول الشيطانية في هذا الصدد نراه في العراق. فعندما شرعت الولاياتالمتحدة في مد يد العون للمجاهدين الأفغان ، تعمدت أن تكون إمدادات السلاح كافية بالكاد لتمكينهم من الصمود ومقاومة الإحتلال السوفيتي ، ولكن ليس بالكم أو النوع الذي يمكن المجاهدين من تحقيق إنتصار يضع نهاية لاستنزاف القوة السوفيتية على أرض أفغانستان. وعندما أوعزت الولاياتالمتحدة إلى صدام حسين بالإعتداء على إيران وإشعال حرب مدمرة بينهما ، كانت إمدادات السلاح تصل بكميات هائلة إلى الطرفين لإطالة أمد الحرب حتى تُستنزف القوتين لمصلحة إسرائيل . كانت سياسة أميركا دائما هي المماطلة حتى تصل بالخصم إلى درجة من الإنهاك لا تمكنه من أن يكون عقبة أمام تنفيذ أجندتها السياسية. اليوم تلجأ أميركا إلى نفس منطق المماطلة وإطالة أمد الإرهاب في العراق لتوفير ذريعة لإتهام الدول المجاورة بدعم الإرهاب ، وبالتالي إنهاكها نفسيا بتشديد الضغوط عليها ، وإنهاك العراق نفسه حتى لا يطالب في وقت قريب برحيل الإحتلال . ولهذا فتح الأمريكيون أبواب العراق للإرهاب فور إتمام عملية الغزو بنزع سلاح وتسريح قوى الجيش والأمن . النظرية الشائعة تقول أن المقاومة العراقية وجماعات الإرهاب تفاقم مشاكل الاحتلال ، وتعمق مأزق الأمريكيين بما لايسمح لهم بتكرار المغامرة في مكان آخر. أما ما يحدث عمليا فهو هروب عصابة واشنطن إلى الأمام باستغلال هذه المقاومة/الإرهاب من أجل خدمة الإحتلال الأمريكي بالدرجة الأولى ، ومشروع الحرب على إيران بالدرجة الثانية وحملة الضغط على سوريا بالدرجة الثالثة : ففي ظل إحتكار الوضع الأمني الذي تحظى به قوة الإحتلال ، أصبح الجندي الأمريكي هو الوحيد القادر على حماية المسئولين العراقيين . وبالتالي لن تجرؤ أية حكومة عراقية على أن تطالب الاحتلال بالرحيل في ظل أحداث العنف اليومية. وجود هذه الجماعات يتيح أيضا توجيه تهمة دعم الإرهاب إلى سوريا ، وهي من أهم أركان الحملة النفسية الرامية لإخضاع نظام الحكم السوري . [email protected]