شاهدت مباراة ليلة أمس بين الأهلي والزمالك من أحد المقاهي في دبي.. كنت بين أشقاء من مختلف الجنسيات العربية منقسمين ما بين الناديين العملاقين. والحقيقة شعرت بفخر كبير طوال دقائق المباراة بسبب الأداء الراقي والروح الرياضية العالية، فعندما تكون خارج الوطن وبعيدا عن أجواء التعصب، تشعر أن كل هؤلاء الذين يجرون فوق النجيل الأخضر أبناؤك أو أشقاؤك. ملأتني فرحة كبيرة وأن أرى أشقاءنا يصفقون للاعب أهلاوي مثل محمد بركات تحرك كالزئبق وأحرز هدفين من ماركته المسجلة لا يسجلهما إلا هو، وآخر يمسك برأسه نادما على فرصة لا تضيع خرجت من رأس جمال حمزة إلى خارج المرمى، ثم ما لبث أن رأيت مشجعا مغربيا يقوم من مكانه متوقعا هدفا مؤكدا يهدره محمد شوقي وهو أمام المرمى! كنت أمس أتابع سيمفونية راقية من ليالي الأوبرا العالمية تحركها من الخارج أصابع مانويل جوزيه وفاروق جعفر. كل لاعب من الأهلي أو الزمالك يخاف على زميله من الفريق المنافس، فكلهم يمثلون تقريبا فريقنا الوطني الذي ينتظره المعترك الأفريقي في يناير القادم، ومعظمهم أدوا منذ أيام قليلة مباراة مشرفة أمام الكاميرون ونجحوا في اهدار فرصتها في التأهل لنهائيات المونديال. انتفخت أوداجي سعادة وأنا أتلقى أثناء المباراة مكالمة هاتفية من زميلي في قناة العربية الناقد السعودي الكبير طلال الحمود يهنئني على العرض الراقي للفريقين، مشيدا بالأهلي رغم روحه الزملكاوية قائلا إن هذا الفريق يستحق أن يكون في النهائي وأن يمثل مصر في مونديال الأندية. كل عناصر مباراة الأمس كانوا نجوما.. بداية من جماهير الناديين التي شجعت فريقها بحماس واحترام لا ينال من الفريق الآخر ما عدا هتافات قلة قليلة لا تخلو منها أية جماهير، ثم جهازين فنيين على أعلى مستوى، فقد لفت فاروق جعفر الأنظار في الشوط الأول بتوليفة من اللاعبين عوض بهم أربعة من المدافعين الغائبين بسبب الاصابات، ونجح في عمل تنظيم دفاعي جيد خلال هذا الشوط الذي يعتبر أفضل الأشواط التي لعبها الزمالك في الموسم الحالي، رغم أن فرص الأهلي كانت هي الأخطر! وفي الشوط الثاني نجح جوزيه في تغيير دفة المباراة بتغييرات ذكية لم يخنه فيها التوفيق هذه المرة كما حدث في المباراة الأولى، بينما جاءت تغييرات فاروق جعفر لتقلب سير المباراة على فريقه بداية من سحب جمال حمزة المهاري الذي شكلت تحركاته في الشوط الأول بعض الخطورة على مدافعي الأهلي، والدفع بوليد صلاح الدين عبد اللطيف الذي لم يفعل شيئا، بل إنه قبل أن يلمس الكرة كان الماكر الزئبقي بركات يفلت بكرة يسيطر عليها تماما ويحرز منها هدف السبق للأهلي. وتأخر جعفر في الدفع بحازم امام كثيرا، فقد كان يجب أن يكون في الملعب والفريق متعادل، لكنه نزل بعد أن تقدم الأهلي بهدفه الأول، وهذا جعل حازم يلعب تحت ضغط أنه مهزوم وأن الفرصة تضاءلت تماما ووصلت الى الصفر تقريبا، حيث كان قد مر نصف الشوط الثاني تقريبا. وأخطأ جعفر أيضا عندما سحب جونيور، فسمح لدفاع الأهلي بالتقدم بعد أن كان يعمل حسابا لهذا اللاعب الذي أعتقد أنه أدى بصورة جيدة وأن صواريخه البعيدة المدى جعلت لأداء الزمالك شكلا في الملعب. تغيرات جوزيه ساهمت في امتلاك فريقه للملعب كاملا بداية من الدقيقة 18 من الشوط الثاني، فقد حد حسام عاشور كثيرا من السيطرة الظاهرة التي كانت لخط وسط الزمالك في الشوط الأول، ونجح في اللعب بورقة بركات الذي تخلص تماما أمس من الرقابة التي عطلت جزءا من انتاجه في المباراة الأولي.. والمؤكد أن هذا اللاعب لا يمكن مراقبته إذا لعب بمزاج عال، وقد كان أمس في قمة مزاجه، مهارات لا تضاهى، وتحركات مفاجئة، يمر بسهولة مطلقة من المدافعين مثل السكين التي تمر في قطعة من الزبد البلغاري، ثم تخرج الكرة من قدمه وهو لا يزال على سرعته لتحتضن الشباك! محمد أبو تريكة لعب كرة من الوضع راقدا لو دخلت المرمى لكان هدفا عالميا. جلبرتو لم يهدأ أبدا.. تحركات طولية وعرضية، وإذا كان الفريق الانجولي الذي صعد لنهائيات المونديال من نوعية هذا اللاعب، فهو يستحق الصعود وانتظروا منه أداء مشرفا للكرة الأفريقية. لابد من الاشادة بالحكم الليبي عبدالحكيم الشلماني الذي لم يتأثر بالحرب النفسية التي أطلقها الناديان قبل المباراة، ولم يعمل على تحزيمها وترك الفنانين، أقصد اللاعبين من الفريقين يبدعون في الملعب ويقدمون لنا لوحة مبهرة من فنون اللعبة. نقول للزمالك حظا أوفر في المباريات القادمة.. عليه أن يتخلص سريعا من أحزان الهزيمة والخروج من البطولة، فمستواه لم يكن يؤهله لذلك ولو صعد فان حظوظ النجم الساحلي كانت ستكون كبيرة في الوصول للنهائي وبالتالي تفقد مصر فرصة الوجود في أول كأس عالم للأندية. يحتاج الزمالك إلى مجهود كبير ولاعبين مميزين ليعود إلى سابق عهده، وعليه أن يبدأ من انتقالات يناير في تدعيم فريقه، وأن يترك مرتضى منصور ذلك لمجموعة من الخبراء حتى لا يتكرر ما وقع منه هذا الموسم من أخطاء في التعاقدات وضجيج بلا طحن! وأقول للزمالك عليه أن يجعل من دوري هذا الموسم فرصة لبناء فريقه، فالأهلي تقريبا لن يتزحزح عن القمة ولاعبوه قادرون على ذلك وعنده كتيبة احتياطية من لاعبي الدكة في مستوى الأساسيين. عليه أن يبدأ من الآن في البحث عن مناجم اللاعبين في الأقاليم وأندية الظل ويجدد فريقه في هدوء، وسنرى النتائج ان شاء الله في الموسم القادم. الآن نقول مبروك للأهلي.. فقد استحق أن يكون طرفا في المباراة النهائية، وندعو الله أن يكون في مونديال الأندية وهو قادر على ذلك فلديه أفضل لاعبين منذ الفريق الذهبي الذي كان يدربه المجري هيديكوتي. نطلب من مصر كلها أن تكون مع هذا الفريق في مباراته أمام النجم الساحلي، فالآن هو يمثل مصر ولا يمثل ناديه فقط. لا أنسى هنا أيضا أن أقول للاسماعيلي أنه أدى ما عليه في مباراته مع دولفين النيجيري التي انتهت بالتعادل السلبي، وأن أهنئ محمد صبحي الذي منع هزيمة ثقيلة وتصدى لضربة جزاء، كأنه يعوض مسئوليته عن اهدار المباراة الأولى في مصر بهدف ستروبيا دخل مرماه، وان شاء الله ينجح الدراويش في أداء موسم طيب مع مدربه الروسي وهو قادر على ذلك لما يمتلكه من خبرة وطموح. [email protected]