منذ أيام نقلت الأنباء الواردة من دمشق خبر "إنتحار" غازي كنعان وزير الداخلية السوري الذي كان لسنوات طويلة رجل سوريا الأول في لبنان ، والشخصية الأمنية الأشد كراهية من عامة اللبنانيين. إلا أني لم أقرأ في أي من المقالات والتقارير، التي تعرضت للرجل وتاريخه، إلا ما كان يتعلق بحقبة لبنان. لم أقرأ كلمة عن حقبة الرجل في سوريا ودوره الفاعل في جهاز الاستخبارات السوري الوحشي خلال بدايات حكم الأسد التي كانت بحق أسود وأظلم فترة في تاريخ سوريا منذ قيام الدولة الأموية بسبب ما ارتكبه خلالها نظام حافظ الأسد وأخيه من مجازر، وخاصة في حماة. كان كنعان معروفا ببطشه ووحشيته وخاصة في جلسات التعذيب وحفلات القتل. وسواء كان منتحرا أو مقتولا ، فهذا جزء من ذنب حماة. حتى الفلسطينيين لم يسلموا من بطش نظام الأسد: وما إرتكبته القوات السورية في مخيم تل الزعتر في لبنان صيف 1976إبان الحرب الأهلية اللبنانية شاهد آخر على همجية الحكم السوري وقتئذ. في الثاني من فبراير 1982 قامت قوة مشتركة من "سرايا الدفاع" بقيادة رفعت الأسد و "الوحدات الخاصة" بقيادة علي حيدر، بفرض حصار على مدينة حماة التي كانت أحد أقوى معاقل (الإخوان المسلمين) في سوريا. واستمر الحصار حتى نهاية الشهر، تعرضت خلاله المدينة للقصف بالمدفعية الثقيلة والدبابات ، قبل إجتياحها واستباحتها. أدى القصف إلى تدمير أحياء بأكملها ، فضلا عن المساجد والكنائس والمواقع الأثرية. وفي نهاية الشهر كان قد تم تدمير ثلث المدينة بالكامل ، وقتل ما يقرب من أربعين ألف مواطن. كان المحظوظون هم هؤلاء الذين ماتوا نتيجة القصف في بداية الحصار، لأن الميتة الأسوأ كانت على أيدي الجنود المسعورين الذين إجتاحوا البيوت ليقتلوا رجالها ويغتصبوا نساءها وبناتها ويفقأوا عيون شبابها ويبقروا بطون نساءها الحوامل.. فظائع لم تحدث في منطقتنا منذ أيام المغول والصليبيين.. فظائع لم يفعلها حتى اليهود بالعرب بهذا الكم.. فظائع لم نشهد لها مثيلا إلا خلال العقد الماضي في البوسنه. ولأن حماة كانت محاصرة ، لم يتسرب للإعلام شئ عما يجري بداخلها ، ولم تتكشف الحقائق إلا بعد فك الحصار، وفرار الأحياء منها ، ومن ثم إلى الخارج لكي يشهدوا على ما جرى. وكنت وقتها في الولاياتالمتحدة ، وفي أحد المؤتمرات الإسلامية التي كنا نعقدها هناك حضر إلى المؤتمر أحد هؤلاء الشهود ، وبينما هو يقص علينا تفاصيل الجرائم التي ارتكبت ، كانت القاعة كلها تبكي برجالها ونسائها. لم تكن حماة هي المجزرة الوحيدة التي إرتكبت في هذه الفترة ، وإنما كانت خاتمة المجازر وأكبرها ، تماما كما كانت سربرنيتسا هي خاتمة مجازر المسلمين في البوسنه وأكبرها. ففي الفترة من مارس إلى يونيو 1980 نفذت قوات رفعت الأسد سلسلة من المجازر من بينها جسر الشغور (200 قتيل) وسوق الأحد (42 قتيل) وحلب (83 قتيل) وتدمر (700 قتيل) وحي البستان في حماة (200 قتيل رميا بالرصاص). وخلال الفترة نفسها صدر قانون يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة (الإخوان المسلمين). كانت حماة هي الخاتمة لأنه أريد لها أن تكون كذلك : أمثولة لكل من يفكر في المعارضة ودرسا للشارع السوري وجماعات المعارضة من نقابيين ومثقفين وجامعيين. وقد كانت. [email protected]