بعد أيام من حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أزمة «سد النهضة» أمام الأممالمتحدة، أبلغت مصر خلال الأيام الماضية عددًا من الدول عن عدم ارتياحها بشأن طول أمد المفاوضات حول السد الإثيوبي الممتدة منذ سنوات، والتي لم يتوصل فيها لحل حتى الآن يرضي جميع الأطراف. جاء ذلك خلال لقاءات منفصلة عقدها وزير الخارجية سامح شكري، مع نظرائه في «روسيا وجنوب السودان وبوروندي والسنغال، واليونان وفنلندا»، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وزير الخارجية، أشار خلال لقاءاته إلى أن «مسألة مياه نهر النيل تعد مسألة حياة ووجود بالنسبة لمصر»، مشددًا على «أهمية سير عملية التفاوض بحُسن نية، بما يُساعد على التوصل لاتفاق عادل ومنصف يُراعي مصالح الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان». وتأتي تلك الخطوة، بعدما رفضت إثيوبيا، مقترحًا قدمته مصر بشأن عملية ملء خزان السد، حيث أرجع وزير الري الإثيوبي، سبب رفض بلاده إلى أن الاقتراح ينتهك الاتفاقية الموقعة بين الدول الثلاث حول الاستخدام العادل والمعقول لمياه نهر النيل. وأضاف وزير الري الإثيوبي: «الاقتراح المقدم من مصر تقرر من جانب واحد، ولم يأخذ بعين الاعتبار اتفاقياتنا السابقة، لا يمكن أن نوافق على ذلك سنعد اقتراحنا»، مضيفًا: «الخبير المصري لا يمكنه السيطرة على سدنا». والثلاثاء الماضي، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة أمام الأممالمتحدة، إنّ المفاوضات حول سد النهضة مع إثيوبيا لم تفض إلى نتائجها المرجوة، محذرًا من انعكاسات سلبية جراء «التعثر». وعلى مدار 8 سنوات دخلت مصر والسودان وإثيوبيا في أكثر من 20 اجتماع على المستوى الوزاري وعشرات الاجتماعات الفنية والزيارات المتبادلة بين الثلاث دول دون نتيجة. الدكتور عباس شراقي، مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا بمعهد بحوث الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، قال إن «تدويل مصر لقضية سد النهضة الخطوة جاءت بعد تأكد وزير الخارجية المصري من تعنت الجانب الإثيوبي وعدم سعيها للحل، خاصة بعد رفض وزير الخارجية الإثيوبي حضور الاجتماع الأخير، والذي كان من المفترض أن يكون سداسيًا أو تساعيًا». أضاف ل«المصريون»، أن «تلك الخطوة سبقها إثارة مصر القضية في جامعة الدول العربية، ودعوة السفير حمدي سند لوزا، نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية، لسفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة لإطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي». وأشار إلى أن ?«الرئيس أكمل الصورة بحديثه عن القضية أمام الأممالمتحدة، حيث أكد خلال كلمته على أن مصر تسعى لحل يرضي جميع الأطراف وأنها لا تعارض أي تنمية في إثيوبيا لكن ليس على حساب مصر، التي تمثل لها المياه مسألة حياة». ولفت إلى أن «مصر اكتفت الآن بعرض القضية فقط»، مشيرًا إلى أنه من الوارد أن تأخذ القضية المسار الرسمي ويتم طلب عقد جلسة خاصة في مجلس الأمن. مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا، أوضح أن «لهجة مصر في التعامل مع الأزمة بدأت تتسم بالقوة، خاصة أنها صبرت كثيرًا وتحملت مراوغات عديدة من الجانب الإثيوبي، والاجتماع القادم والمقرر له 5 أكتوبر سيكون الحاسم». وتابع: «بعد الاجتماع ستتحدد البوصلة إما أن مصر تقوم بتدويل القضية رسميًا وتطلب جلسة خاصة بمجلس الأمن، وإما أن تسير المفاوضات، ويتم عقد لقاء بين وزراء خارجية الدول الثلاث، والذي من الوارد أن يعقبه لقاء قمة، لا سيما أن الأمور باتت لا تحتمل وقتًا إضافيًا». وأنهى قائلًا: «كل الخيارات مفتوحة، والاجتماع القادم الحاسم، وسيحدد ما الذي ستفعله مصر، لكن لابد من عدم الاستجابة لأي مراوغات أخرى ولابد من تحديد ماذا تريد». بدوره، قال السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، ومساعد وزير الخارجية الأسبق، إن «على مصر ممارسة كافة الضغوط على الجانب الإثيوبي لإقناعه بالاستجابة للمطلب المصر الخاص بجدولة الفترة الزمنية لملء السد وجعلها 5 أو 7 سنوات، وكذلك قبول المتابعة السنوية للملء، وعدم ترك الأمر للظروف». وأضاف ل«المصريون»، أنه خلال الاجتماع الأخير لوزراء الري بالدول الثلاث عرضت مصر مقترحات غير أن الجانب الإثيوبي رفضها، ومارس التعنت المعهود عنه، على الرغم من مشروعية المطالب، وعلى الرغم من أنه حق لمصر. وأوضح، أن «مصر بدأت بإجراء اتصالات بكافة الدولة التي لها استثمارات في السد أو لها مشروعات مترتبة على بناء سد، حيث قامت بشرح الموقف كاملًا لهم وما قدمته مصر وكذلك موقف الجانب الإثيوبي«، مشيرًا إلى أنها قامت بتوسيع الدائرة وشرحت الأمر لكل دولة لها علاقات جدية مع إثيوبيا. وتابع: «وفق للقانون الدولي فإن أي دولة تريد بناء سد على نهر لابد أن تتشاور مع الدول الأخرى التي قد يمثل ضرر لها، وبالتالي هذه حق مصر، لكن الجانب الإثيوبي لا يراعي كل هذا، ولا يراعي حسن نية الجانب المصري كل هذه الفترة». وأشار إلى أن رئيس إثيوبيا قالت خلال كلمتها أن إثيوبيا لن تتسبب في أي ضرر لمصر، وهو نفس ما قاله رئيس وزراء إثيوبيا أثناء وجوده في مصر منذ فترة، وهذا كلام جيد لكنه مرسل، ومن ثم على مصر اتخاذ خطوات سريعة والضغط على إثيوبيا لإنهاء الأزمة. وكانت وزارة الموارد المائية والري المصرية، قالت إن اجتماع وزراء المياه وأعضاء اللجان المختصة من مصر وإثيوبيا والسودان، لم يتطرق إلى الجوانب الفنية بسبب ما وصفته ب«تعنت أديس أبابا». ووفقًا لبيان صدر عن الوزارة، فقد عقد يومي 15 و16 سبتمبر في العاصمة المصرية القاهرة، اجتماع اقتصر على مناقشة الجوانب الإجرائية والتداول حول جدول أعمال الاجتماع، دون مناقشة المسائل الموضوعية، وذلك بسبب تمسك إثيوبيا برفض مناقشة الطرح الذي سبق وأن قدمته مصر للبلدين. وأشارت إلى أنه «في ضوء هذا التعثر، فلم يتسن إلا أن تقرر عقد اجتماع عاجل للمجموعة العلمية المستقلة في الخرطوم خلال الفترة من 30 سبتمبر إلى 3 أكتوبر 2019، لبحث المقترح المصري لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة وكذلك مقترحات إثيوبيا والسودان». وتابعت «على أن يعقبه مباشرة اجتماع لوزراء المياه بالدول الثلاث يومي 4-5 أكتوبر 2019 لإقرار مواضع الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة».