في فجر الثامن من يوليو 2013، أفاقت مصر على واحدة من أبشع المذابح في تاريخها الحديث، حين فتحت قوات الجيش النار على المعتصمين السلميين أمام دار الحرس الجمهوري أثناء أدائهم صلاة الفجر، في مشهد سيبقى محفورًا في ذاكرة كل من نجا وكل من شاهد لقطات الدماء وهي تغمر الشوارع. في ذلك اليوم الأسود، وثّق المصور الصحفي لجريدة الحرية والعدالة أحمد عاصم السنوسي بعدسته لحظة بلحظة جريمة الجيش بحق مئات الساجدين، حتى لاقى حتفه برصاصة غادرة استقرت فيه بينما كانت الكاميرا لا تزال تعمل، تسجل آخر قطرات دمه وهو يسقط شهيدًا للمهنة وللحقيقة. لكن رغم مرور 12 عامًا على الواقعة، لم تضع نقابة الصحفيين صورته على واجهتها كما فعلت مع صحفيين آخرين مثل الحسيني أبو ضيف، وسط اتهامات بأن سيطرة تيار "اليسار العلماني" على مجلس النقابة جعلته يتجاهل ضحايا المذابح الذين لم يكونوا على هوى توجهاتهم السياسية.
رصاص الفجر.. مجزرة الساجدين
في ذلك الفجر الدامي، كان المعتصمون يؤدون الركعة الثانية من صلاة الفجر أمام دار الحرس الجمهوري احتجاجًا على الانقلاب العسكري، حين باغتتهم قوات الجيش مدعومة بمليشيات بلباس مدني، وأطلقت وابلاً من الرصاص والخرطوش وقنابل الغاز عليهم بلا سابق إنذار، ليسقط نحو 100 شهيد وفق أغلب الروايات، ويُصاب أكثر من 435 آخرين، بينما اعتُقل المئات في حملات تمشيط عنيفة امتدت لساعات.
شهادات الناجين من المذبحة تكشف عن حجم الجريمة:
محمد سراج، أحد الناجين، أكد أنهم كانوا في الصلاة حين بدأ إطلاق النار الكثيف والغاز المسيل للدموع، وأن القوات قتلت المصلين بدم بارد قبل أن تعتقل نحو 700 شخص.
أحمد الديب، ذكر أن إطلاق النار بدأ من عدة محاور في نفس الوقت، وأن الجنود لم يراعوا وجود نساء وأطفال بين المعتصمين.
حتى مجند بالجيش -ذكرت جريدة المصريون شهادته بالأحرف الأولى- اعترف بأن التعليمات صدرت لهم بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على المعتصمين دون تحذير أو أي محاولة لتفريقهم تدريجيًا.
وأفاد شهود عيان بأن المعتصمين الذين احتموا بمسجد المصطفى القريب حوصروا داخله، وتم اعتقال كل من خرج منه، فيما لاحقت القوات الفارين إلى العمارات المجاورة، لتقتل أو تعتقل من تبقى منهم.
أحمد عاصم.. عين الحقيقة التي أسكتها الرصاصات
وسط أزيز الرصاص وصيحات الجرحى، كان المصور الصحفي لجريدة الحرية والعدالة أحمد عاصم السنوسي يوثق كل شيء بكاميرته: الدماء، السجود الأخير، الصرخات. استهدفه الجنود عمدًا كما استهدفوا كل من حمل كاميرا أو هاتفًا. لحظاته الأخيرة سجلتها الكاميرا التي ظل ممسكًا بها حتى آخر رمق، ليبقى الفيديو شاهدًا على بشاعة الجريمة، وعلى ثمن الكلمة الحرة في بلد يحكمه العسكر بالحديد والنار.
ورغم استشهاده أثناء تأدية واجبه المهني، تجاهلت نقابة الصحفيين ذكراه، ورفضت وضع صورته على واجهتها كما فعلت مع آخرين، ما اعتبره كثيرون خيانة لدماء زميلهم، وانحيازًا سياسياً فاضحاً من مجلس يهيمن عليه يساريون علمانيون لم يجدوا حرجًا في تبني قضايا صحفيين مقربين منهم سياسيًا بينما أداروا ظهورهم لأحمد عاصم، فقط لأنه كان يغطي اعتصامًا ضد الانقلاب.
شهادات تقشعر لها الأبدان
خالد شلبي، أحد الصحفيين الناجين، روى كيف تحولت منطقة الاعتصام إلى جحيم:
"في الركعة الثانية للفجر، بدأت المدرعات تتقدم من صلاح سالم، والغاز الكثيف يغطي المكان. تساقط المعتصمون واحدًا تلو الآخر بين اختناق ورصاص حي، وحتى الأزهريين الذين حاولوا التهدئة سقطوا شهداء".
وأضاف:
"رأيت بعيني جنود الصاعقة يطلقون الرصاص على الجرحى للتأكد من موتهم، ويدخلون العمارات القريبة لتصفية من احتمى بها. حتى من حاول الهرب حاصرته النيران، والنجاة كانت مستحيلة إلا بمعجزة".
جريمة بلا عقاب
بعد 12 عامًا، لا يزال الجناة طلقاء، بينما يدفع الناجون وأسر الشهداء ثمن مطالبتهم بالحرية. أما أحمد عاصم، فلا صورة له على نقابة الصحفيين، ولا ذكر له في بياناتها، وكأن الكاميرا التي نزفت دمًا معه لم تكن أبدًا جزءًا من مهنة يدّعي أصحابها الدفاع عن حرية التعبير.