في اللقاء الرابع خلال ستة أشهر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أروقة البيت الأبيض، حضرت غزة بكل ثقلها، إذ مثل محور "فيلادلفيا 2" عقدة الصراع الكبرى. اللافت في اللقاء أنه جرى دون عدسات ولا بيان مشترك، لكن تفاصيله تسربت سريعًا، من واشنطن إلى غرف التفاوض المغلقة في الدوحة. عشاء دون ضجيج أُقيم اللقاء في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض دون الإعلان المسبق عنه، ودون حتى تسجيل رسمي لوصول نتنياهو، حسبما أفادت "يديعوت أحرونوت"، وجاء الاجتماع بعد لقاء أول سابق في اليوم ذاته بين الزعيمين، واستمر قرابة ساعة ونصف، غادر بعدها نتنياهو دون تصريح مشترك. لاحقًا، وكشف مكتب نتنياهو أن نائب الرئيس الأمريكي فانس حضر الاجتماع أيضًا. في ختام الليلة الماضية، تناول ترامب ونتنياهو العشاء معًا، بحضور كبار مسؤولي إدارة ترامب، من بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هاسيغاوا، إلى جانب سارة نتنياهو والوفد الإسرائيلي المرافق. وعُقد مؤتمر صحفي موجز على هامش الاجتماع، تطرّق خلاله نتنياهو إلى رؤية ترامب المتعلقة ب"حرية الاختيار" للفلسطينيين بين البقاء في غزة أو مغادرتها، واصفًا إياها ب"الرؤية الثاقبة". محور النقاش أكد ترامب في بداية اللقاء أن "الحديث سيكون حصريًا تقريبًا عن غزة"، مضيفًا: "علينا إيجاد حل لها، غزة مأساة، هو يريد حلها، وأنا أريد حلها، وأعتقد أن الطرف الآخر يريد حلها أيضًا"، وقد تزامن الاجتماع مع وجود وفد قطري في واشنطن لعقد محادثات مع مسؤولين أمريكيين كبار، بينما كانت فرق التفاوض الإسرائيلية وحماس تواصل مباحثاتها في العاصمة القطرية الدوحة. مصادر مطلعة أفادت ل"يديعوت أحرونوت" أن الوفد القطري وصل إلى واشنطن قبل ساعات من اللقاء الثاني بين ترامب ونتنياهو، وسط تحركات مكثفة تهدف للوصول إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار. تفاصيل المقترح ينصّ المقترح الذي يناقشه الوسطاء على وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا، يتخلله الإفراج عن 10 محتجزين أحياء على مرحلتين (ثمانية في اليوم الأول واثنان في اليوم الخمسين)، وإعادة جثامين 18 محتجزا على ثلاث مراحل، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية وزيادة المساعدات الإنسانية لغزة. وأشارت تقارير شبكة "سكاي نيوز" البريطانية، نقلاً عن مصادر أمريكية وشرق أوسطية، إلى أن ترامب يعتزم ممارسة "ضغوط كثيفة" على نتنياهو لدفعه نحو إنهاء الحرب، وأكد مصدر دبلوماسي أن الضغط الأمريكي سيكون "قويًا"، فيما نقل رجل الأعمال الفلسطيني الأمريكي بشارة بحاح رسالة من ترامب إلى حماس تفيد بأن "القتال لن يُستأنف بعد وقف إطلاق النار". عقدة فيلادلفيا وفقًا لمصدر إسرائيلي مرافق لنتنياهو، فإن العقبة الأساسية أمام التوصل لاتفاق هي الخلاف حول انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وبالتحديد من محور موراج جنوب خان يونس، والذي تطلق عليه إسرائيل اسم "محور فيلادلفيا الثاني"، هذا المحور يُعد استراتيجيًا ويحيط بمدينة رفح الحدودية المدمّرة، كما أن إسرائيل ترى فيه خطًا أحمر لا يمكن التراجع عنه. وكان نتنياهو قد شدّد مرارًا على ضرورة بقاء الجيش الإسرائيلي في هذا المحور، حتى لو أعاق ذلك صفقة المحتجزين، بعكس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي أبدت استعدادها للانسحاب السريع. وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن المحور المذكور أُدرج في "وثيقة التوضيح" التي أصدرها نتنياهو في يوليو من العام الماضي، ووصفها مصدر أمني بأنها "ملطخة بدماء المحتجزين الستة الذين قُتلوا في نفق برفح". منطقة إنسانية في سياق الخطط البديلة، أعلنت إسرائيل نيتها إقامة "مدينة إنسانية" جنوب محور فلادليفيا، على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية، تهدف إلى "فصل السكان المدنيين في غزة عن حركة حماس"، حسبما نُقل عن مسؤولين إسرائيليينؤ وسيبقى المحور تحت السيطرة الإسرائيلية لضمان تنفيذ هذه الخطة. كما أفادت شبكة "سكاي نيوز" بأن الأنشطة الإنسانية الأمريكية قد تتأثر نتيجة استمرار التواجد العسكري الإسرائيلي، إذ لن يُسمح لصناديق المساعدات الأمريكية بالعمل في مناطق لا يخضع فيها قطاع غزة لرقابة الجيش الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تحل منظمات إغاثة دولية محل الصناديق الأمريكية في تلك المناطق. ترامب "صانع التاريخ" قبل اللقاء الثاني، دعت عائلات المحتجزين في غزة الرئيس ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" إلى "صنع التاريخ" وإنهاء الحربء وقال بيان المقر الرئيسي للعائلات: "أعيدوا جميع المحتجزين الآن وأنهوا الحرب"، وقد التقى بعض أفراد العائلات بمبعوث ترامب لشؤون المخطوفين، آدم بويلر، الذي طمأنهم بأن الرئيس مصمم على إنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة شاملة. وقال أحد ممثلي العائلات لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "نعيش في أجواء فيلم تشويقي، الجميع يترقب ما سيسفر عنه اللقاء بين نتنياهو وترامب. لا جديد حتى الآن، لكننا مستمرون في التواصل مع الخارجية الأمريكية". أمل هش قال مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، إن عدد القضايا الخلافية قد انخفض من أربع إلى واحدة فقط، ما يمنح بصيصًا من الأمل بإمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي خلال أيام. ومع ذلك، تبقى المفاوضات "بالغة الحساسية" كما وصفها مصدر في الوفد الإسرائيلي، خصوصًا في ظل تمسك نتنياهو بمحور فيلادلفيا، الذي يبدو أنه تحول من ممر أمني إلى عقدة سياسية تعطل انفراجًا طال انتظاره.