فى العامين الأخيرين قبل الثورة؛ كان العمل على تمرير التوريث على أشدِّه، ووقتها لم يكن يقفُ فى وجه مُخطَّط التوريث صراحةً إلا الجمعية الوطنية للتغيير، وجماعة الإخوان المسلمين، وبعض الكتَّاب المحترمين غير المحسوبين إلا على أقلامهم وضمائرهم. وقتها كانت بعض صحف المعارضة المملوكة للتيَّارات اليسارية والليبرالية تُصرُّ على أن تصدم مشاعر الأغلبية المسلمة يوميًّا بخبر كاذبٍ أو مقالٍ مُستفزٍّ لأحد روَّاد التنوير.. زعموا!! وقد كانت مقاطعة صُحُف الكراهيةِ تلك؛ خيارًا وحيدًا لكثيرٍ من العقلاء؛ تجنُّبًا لارتفاع ضغط الدم وغيره من الأمراض، وبينما نحن على هذه الحال؛ إذ بأحدِ أصدقائى يُهرع إليَّ بجريدة (المصرى اليوم) يُرينى مقالًا ل(خالد منتصر) يتحدَّث فيه عن كارثة الكوارث التى أوشكت أن تقضى على الوجدان المصرى وتذهب به إلى غير رجعة!!! حاولتُ أن أستبقَ المكتوب وأتوقَّع تلك الكارثة، ففكرتُ فى أفلام المقاولات الهابطة، والفيديو كليب، وذهب عقلى لظاهرة الشِّعر ما بعد الحداثي الذى لا تستطيع قراءته إلا لو استطعت تذوُّق الفنِّ ما بعد السريالى (الرسم بذيل القطِّ على زفيرِ الذباب!)، وخِلته يعنى المقالات الهابطة لبعض المُلمَّعين، تلك المقالات التى تختلط فيها العامية الرصينة(!!!) بلُغة (رِوش طحن) فى مزيجٍ عجيبٍ، وفكرتُ فى غير ذلك من عشرات الظواهر الأخرى التى يصحُّ أن نقول عنها إنها اختطاف للوجدان المصرى. فإذا بالطبيب يحدثنا عن ظاهرة انتشار شرائط الكاسيت التى تحمل تسجيلاتٍ قرآنية لمشايخ (الوهابية!!!) التى انتشرت فى الأتوبيسات والميكروباصات والمطاعم والمعاصر، وفى كلِّ مكانٍ؛ بعد أن كان المصريون لا يسمعُون القرآن إلا من روَّاد الإذاعة الشيخ الحصريّ وروفاقه الأربعة رحمة الله عليهم. وهكذا فإنَّ الذوق المصرى الذى ترعرع فى رحابِ القرآن المصريّ؛ صار مهدَّدًا – من وجهة نظره - بالتلوُّث بالقرآن السعودى الوهَّابى!!! وهى الظاهرة التى أسماها (اختطاف الوجدان المصريِّ). ذلك الوجدان الذى لم تختطفه سينما هوليود ولا بوليود، ولم تختطفه القنوات اللبنانية ولا المطربون العرب الهابطون علينا من كلِّ فجٍّ والهابطون بنا فى كلِّ دَرَكٍ، لم يختطفه الكاظمون الساهرون ولا النانساوات العجرمات؛ إذا به يتداعى أمام السديس والشريم والقحطانى والمعيقلى والدوسرى ورفاقهم!!! تذكَّرتُ ذلك المقال بعد التصريحات الخرطوشية لقائد ثورة الرابع والعشرين من أغسطس المجيدة، حين قال بأنَّ المسجد الأقصى لا يمثِّل للمصريين ما تمثِّله الأهراماتُ، وأنَّ المرء لا يُشهدُ له بالمصريَّة إلا حين يكون (خوفو) أحبَّ إليه من الأقصى وقبة الصخرة والمساجد والرموز الإسلامية جمعاء!!! وتذكرتُه بعد تصريحاتِ الجناح الصحفى لأمن الدولة المنحلِّ حين قال بأَّن محمَّدًا صلى الله عليه وسلَّم -الصلاة والسلام من عندى- يجب ألا يشغل بال السياسية المصرية ولا سفاراتنا بالخارج؛ لأنَّه ليس مواطنًا مصريًّا!!! هذه المواقف الثلاثة غيضٌ من فيض، فإخواننا العَلمانيون فى سبيل الكيد لكلِّ ما هو إسلاميٌّ يرتكبون سَقَطَاتٍ فادحةً، لا تنمُّ عن الجهل بقدر ماتنمُّ عن مكنون صدورهم، مصداقًا لقول الحقِّ سبحانه (ولتعرفنهم فى لحن القول). ورحِمَ الله الشيخ (ديدات) إذ كان يبكى وهو صغيرٌ لأنَّه لا يستطيعُ أن يُدافِع عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، فآلى أن يُوقِفَ حياته للعلم الشرعى والدفاع عن الإسلام والتبشير برسالته، ليُصبحَ عَلَمًا من أعلام البشرية. و(أحمد ديدات)وُلدَ بالهند ونشأ فى جنوب إفريقيا، يعنى ليس بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلَّم صلة عِرقيَّة، ورغم ذلكَ فقد كان يُجبر دُولًا وحكوماتٍ على اتِّخاذ قراراتٍ مُناصِرةٍ للحقِّ أو مُندِّدةٍ بالباطلِ، إذا تعلَّق الأمر بالرسول صلى الله عليه وسلَّم، ولم يجرؤ أحدٌ – حتَّى أشدّ الناس حقدًا عليه – أن يحتجَّ بأنَّ مُحمَّدًا - صلى الله عليه وسلَّم – ليس على جنسيَّته. ومهما يكن من شيءٍ؛ فإنِّى أوصى الإخوة السعوديين أن يستعينوا بحمُّودة ليفكِّر لهم فى (فُكِّيرة) تُمكِّنهم من استخراج جواز سفرٍ سعوديٍّ للنبى صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ السفارات السعودية ستواجه هى الأخرى مأزقَ أنَّ النبى - صلى الله عليه وسلَّم - لم يحمل يومًا من الأيام جواز سفرٍ سعوديٍّ ولا غير سعوديٍّ، وليس بعيدًا أن يأخذ القانونيون الأمريكيون الحكمة من أفواه (الحمُّوديين)، ويطالبوا بإثبات أنَّه صلى الله عليه وسلَّم كان سُعُوديًّا!!