* يعانى الموظف الذى يحال للمعاش أشد المعاناة كأنه مريض فى غرفة الإنعاش من شظف العيش وصعوبة الحياة وكدرها وألمها وقسوتها.سواء كان هذا الموظف طبيبا أو مهندسا أو معلما أو غير ذلك.وإن تعجب فعجب قولهم أن الموظف ليس له حق فى راتبه الهزيل الذى كان يتقاضاه وهو فى الخدمة، بل يتقاضى ربعه أو ثلثه والثلث كثير !.إن الموظف المسكين يعانى من وضع السكين فى منتصف رقبته كالذبيحة التى تقاد إلى مسلخها فيتنفس بصعوبة وكأنما يصعد فى السماء.ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.إن هذا المخلوق المسمى بالموظف تنشب فيه الأمراض المزمنة مخالبها بعد عمر الستين فتراه طريح الفراش للضغط والسكر وأمراض الكبد والكلى، فكيف يعيش وكيف يسير بحياته المضطربة إلى شاطئ الأمان بعدما صار عنوانه "بقايا إنسان" . والله إن الموت إلى نفس هذا الموظف المسكين أحب إليه من حياة ذليلة رخيصة مهينة يقف فيها على النواصي وأبواب المساجد يسأل الناس أعطوه أم منعوه. عندما يبكى الرجال..فاعلم أن الهموم قد فاقت قمم الجبال. * وأغرب ما قرأت فى بعض الدول تكريما للمحالين للمعاش فى "بلجيكا " , أنه عندما يصبح عمر الإنسان هناك 65 سنه ترسل له دائرة التقاعد رسالة تقول له أنت أصبحت متقاعدا و عليك أن تبعث لنا رقم حسابك البنكي لكي يتحول لك راتبك شهريا. وإذا كان لديك مشكله اتصل بنا على هذا الرقم لتحصل على موعد المقابله. وهناك امتيازات منها تخفيض إيجار البيت أو الشقه و هناك دعم شهري للإيجار. و من حقك أن تطلب سكنا من الضمان الاجتماعي و بسعر رمزي و كذلك هناك تخفيض في الكهرباء و المواصلات و كذلك الضمان الصحي شبه مجانا . و من الطريف أن تأتيك رسالة كل شهر تدعوك للفحص الطبي الدوري و كذلك يأتيك ظرف فيه مستلزمات فحص الخروج و البول و تضعه في الظرف و ترسله في البريد مجانا و بعد أيام يأتيك الرد سلبا أو ايجابيا. و كذلك طبيب الأسنان شبه مجانا و إذا لم تراجع طبيب الأسنان خلال سنه تأتيك غرامه ماليه. للعلم دولة بلجيكا لا يوجد فيها بترول و لا معادن و إنما يوجد فيها احترام لحقوق الإنسان الذى قضى نحبه فى خدمة وطنه . فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ · إنها صرخة مدوية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن يرحموا ذلك الموظف المسكين الذى قضى نحبه فى خدمة الوطن حتى شاب شعره وانحنى ظهره ولانت عظامه وصار يمشى متكئا على عصاه.أبعد كل ذلك يتسولون ويسألون الناس الصدقات ويريقون ماء الوجه أمام من يستحق ومن لا يستحق ؟. إن أمن وسلامة المواطن جزء لا يتجزأ من أمن الوطن ، فارحموا عزيز قوم ذل.نطالب جميعا أن يكون للمحالين للتقاعد مظلة اجتماعية تحميهم من قسوة الزمان ومرارة الأيام وارتفاع الأسعار ولهيب ألسنة النار التى امتدت لتأكل وتحرق ما تبقى من أجسادهم الشاحبة الضعيفة المريضة.إن دموع الرجال غالية وليست رخيصة، وحياتهم مسؤولية كل مسؤول فى هذا الوطن، وسلامتهم أمر جد ليس بالهزل. * إ ن هذا المسكين الذى أحيل للتقاعد قد يكون له أبناء فى المرحلة الجامعية والبعض منهم فى عمر الزواج وفى الغالب ينتظرون مساعدة من أبيهم الذى لم يعد قادرا حتى على الإنفاق على نفسه , فكيف ينفق على أبنائه ؟ إن هذه القضية جد لا هزل فيها لأنها تمثل حجر الزاوية فى أمن واستقرار المجتمع . وما انتشرت أعمال البلطجة والسرقة والنهب إلا لخلل فى البنية الأساسية للمجتمع وشدة الفقر والعوز . إن وسائل التواصل الاجتماعي نشرت منذ فترة صورة لمدير عام بالتربية والتعليم وقد أحيل للتقاعد ولم يجد ما يسد به نفقات أسرته غير أن يعمل مساحا للأحذية أمام المؤسسات الحكومية وفى نواصي الشوارع والطرقات . صورة أغضبت الجميع وأفقدتهم الثقة فى المجتمع . إن فئة كبيرة من الذين يحالون للتقاعد من أبناء التربية والتعليم , فكيف يربون ويعلمون جيلا بعد جيل وهم يرون من سبقوهم يمسحون الأحذية فى الطرقات ؟ إن القضية ليست فقط قضية مادية بقدر ماهى قضية أخلاقية تربوية إنسانية سياسية تمس امن واستقرارالمجتمع والناس الذين ألهبت سياط الأسعار ظهورهم وجنوبهم . إن هؤلاء المساكين فقدوا القدرة على الوقوف ولا حتى الجلوس لان الألم أحاط بهم من كل جانب . هذه رسالة كل مظلوم أحيل للتقاعد بعدما فقد صحته وقضى نحبه فى خدمة المجتمع , فهل نحفظ له ماء وجهه عندما تقدم به قطار الحياة إلى آخر محطة فى حياته ؟ , فهل من مجيب ؟