هناك من يفضح مشاعره بالكلمات ويسعد الناس بتلك الكلمات ثم يصلح ذات البين بالكلمات ويبث الحماسة ويدفع نحو العمل والعطاء، فالكلمة مثل حد الخنجر تقطع للخير وتطعن في الشر، فهي لأصحاب المهن أداة السوق وأصل الصكوك وبها ترد الحقوق وتباع السلع والمنتجات وتقضى الحوائج والحاجات والكلمة للتاجر مفتاح الثروة والمال وبها تفتن النفوس ويتغير الحال، ويحكي التاريخ عن كلمات أشعلت حروب بين الأمم وأزهقت نفوس وكشفت ذمم، وبها اهتزت العروش، وكم من كلمات رفعت أقوام وحققت أحلام فجددت روح البلاد وأنارت عقول العباد، إن للكلمة تركيبة حسية وقوة معنوية، ونكهة روحية، فالكلمات يستخدمها أهل السحر في سحرهم وأهل المكر في مكرهم وبها يعرف المرء إن كان جذاب أو كذاب، وللكلمات أثر في الأجيال فتجعلهم بين مأثور ومأسور، ولها وقع على السقيم وأثر على الحكيم، وتمنح للحكيم حلم على العطاء، وللكريم صبر على السخاء، وبالكلمات يرفع شأن الإنسان أو يزول، وتدفع القدر إن رافقها مسك الدعاء، ويكافىء بها الإنسان أو يلقى الجزاء. لابد وأن نقتنع بأن آرائنا لها ثمن، مهما كانت قوة الرأي وضعفه، ف قيمة الكلمة تقاس بتأثيرها وتوقيتها ومدى ملائمتها للظروف المحيطة، وتختلف جودة الكلمة تبعاً للشخصية، فإن كان شخص هزلي - كثير الكلام فله رقم يختلف عن صاحب الرأي والمنتمي لأولي الألباب "أصحاب العقول". وطالما للكلمة ثمن كما يقولون، فما بالنا إن كانت هذه الكلمة (وعد أو شرط أو عهد أو اتفاق) هذه دائرة أخرى تتحول فيها الكلمة من نبضات بالهواء إلى أشياء حاسمة تعقد اللسان وتعطي الولاء ويتحقق بها الصلح والود ويحصل الشفاء، فالكلمة تدفع مستقبل الإنسان وتصنع سيرته ومسيرته وطموحه ورؤيته، وتبني قدراته وملكاته، وبالكلمة تنهار هذه الأشياء إن أُريد بها غير التي خلقت من أجله وهو البناء. إن فن صناعة الكلام يجبر "الخواطر ويجنب صاحبه "المخاطر"، وتبقى "الكلمة" أساس كل اتفاق لا يلتزم بها إلا الرجال ويحصل بها السلام والوصال وتعقد عليها الآمال، كونها تكفل الخروج من العزلة إلى السعة ومن الضيق إلى أرض الله الواسعة، فمن يلتزم بها حقت له الحماية ووجبت له السكينة والهداية، إن من يلتزم بالكلمة لن ينهزم بالأفعال، ومن يقدم كلمة الود يبقى صاحب اليد الأقوى، لذلك يقول الحكماء موجهين كلامهم لنا نحن عوام الناس بأن نفكر قبل أن نتكلم" فلسنا وحدنا من يرى عيوب الآخرين فكل الناس ترى عيوبنا وكل الناس لها أفواه".