كتب الأستاذ المحترم "محمود سلطان" في مقاله السابع عشر من سلسلة "دفتر يوميات الخلافة" منتقداً طريقة اختيار الخليفة الراشد "عمر بن عبدالعزيز"، واصفاً إياها "بالطريقة المذلة والمسيئة والمتعالية في اختيار الحاكم"، غير أنه لم يتهم الخليفة الراشد بشىء وألحق اسمه ب "رضي الله عنه"،. وللدخول المباشر في الموضوع، أرى أن هذه الطريقة هي أسلوب يخص طبيعة الزمان والمكان والعرف المتداول وقتذاك وما كان متاحاً لهم من رؤى ومعرفة بشؤون الحكم وآليات نقل السلطة في بلاد العرب، ومع مرور الزمن تطورت الأساليب وتغيرت التشريعات والقوانين، حتى وصلت تقنيات تداول السلطة لأشكال مثالية في بعض الدول، هذه الأشكال أيضاً قد لا تصلح لدول أخرى وثقافات أخرى. ومع تقدم تقنيات التشريعات السياسية والقوانين في كافة الدول، إلا أنني قرأت لمراكز أبحاث تتحدث عن خدعة تتم في دول كبرى اسمها "الإنتخابات الرئاسية" وبأن السياسات العليا والرؤى الإستراتيجية لتلك الدول لن ترتبط أبداً بإعجاب الناس بفلان وعلان، فالناس يعجبون براقصي التانجو وأبطال المصارعة الحرة، إلا أن يتم إعداد أحدهم ليوافق رغبات الجمهور بجانب تحقيق مصلحة الأمة، فالحاكم المهندم الذكي – الفطن وصاحب الكاريزما قد لا يناسب الخطة المستقبلية الدولة، فالخطة قد تهدف إلى جلب حاكم "تاجر" يجلب المال ويملىء الخزائن ويبتز ويستغل الآخرين ولأن دولته لديها رصيد من السمعة، ويمكن أن تخسر منه مؤقتا لحين جلب النسخة الجديدة للرئيس النرجسي – الرقيق "بتاع حقوق الإنسان"، ليحدث الناس مجدداً عن حق النساء في تولي المناصب بالشرق الأوسط وبعض القضايا المضحكة، ثم تنتهي فترته الوردية ويأتي رئيس جديد ليتناغم مع السياسة العليا والرؤية طويلة الأجل وربما يكون ضابط سابق ليبطش بجيرانه ويدعس سياسات الرئيس السابق وربما يشتمه ويلعن أهله أمام الإعلام، وبعده بعشر سنوات يأتي "رئيس نرجسي" ضمن الخطة ليحصد اتفاقات وتحالفات جديدة ويصالح البعض ويهدأ الغاضبين فيفرح الناس ويسعدوا به ويعلقوا صوره في بيوتهم.. هذا كله مرتبط بالسياسات الاستراتيجية لتلك الدول. وأمام ما تمارسه هذه الأمم الراقية، تبقى عملية اختيار الأمير عمر بن عبد العزيز في قديم الزمن الأكثر شفافية وقد تمت بدون خداع، مقارنة ب "لعبة الكراسي الموسيقية" في مناطق متحضرة في العالم وذلك بتصعيد اليمين تارة واليسار تارة أخرى، يمكنني أن أقنع حضرتك الآن بأن هؤلاء القوم المتقدمين تقنياً، لديهم فكر استراتيجي وخطط طويلة الأجل لرسم "صورة الحاكم المستقبلي" والتي لا يمكن يتركوها لاختيارات عشوائية شعبوية، فالمعايير محددة مسبقاً والخطط البديلة حاضرة وجاهزة، غير أنهم يختلفون عنا في الأداء ومنح الناس فرصة للتعبير في إطار الخيارات،.. وهذا حقهم الكامل للحفاظ على بلادهم والسيطرة على الأمم الضعيفة وحصد الثروات واختيار المسؤولين وصناع القرار في الدول المُهزأة. الأمر الأخير: ما رأي حضرتك في (الوضع الاقتصادي خلال فترة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه) وما كتب عنه من الحكمة والمواقف الراقية و الرؤية الثاقبة، لقد كان اختياراً موفقاً رغم الطريقة التي تحدثت حضرتك عنها، كان له طريقة وأسلوب في بناء العلاقات الخارجية وصناعة هوية الدولة للدرجة التي جعلت دول من الشرق والغرب يكتبون فيه العزاء ويترحمون عليه، فضلاً عما قيل عن زهده وعدم إسرافه، وما قيل من سلبيات أمور طفيفة لا ترقى لمستوى الفساد أو سعيه لإفساد حياة الناس والتفرقة بين فئات المجتمع. محمد الخضيري www.Elkhodiry.com [email protected]