تمزق أحشاءها الآلام.. وتلفّ على ظهرها محاوِلة إحكام السيطرة على محيطها كله.. فتعضّ على أناملها من الوجع.. وبعد كل جولة تستريح.. ليشتد أوار المعركة من جديد.. وتكون الضحية: جسدها المهدود! هى منذ أيام ليست "هى".. باتت تتحسّس من أى كلمة تخرج منه.. ويتقلّب مزاجها رغمًا عنها.. فتقرأ تصرفاته بحساسية مفرطة.. وتنظر للأمور بسوداوية ملحوظة.. وتنكفئ على نفسها بين الحين والآخر لتجتر بعضًا من مآسيها الماضية.. فتبكى.. وتتفجّر براكين سابقة وحاضرة.. ظلام فى كل مكان.. ويزمجر الضيق فى كل ناحية.. تستجدى راحة نفسية وهدأة بال.. تمسك برأسها بين يديها علّها تجتثه من جذوره وتتحرر من ضغطه.. تحاول لملمة شعث نفسها فتنجح مرة.. وتُخفق مرات! يدخل زوجها فى معمعة تعيشها "بينها وبينها".. لا تدرى هل ستفلت من براثنها أم ستهوى! ورغبة جامحة فى البكاء تسيطر على جنبات قلبها.. وهو لا يدرى! هو: حضّرى لى المائدة فأنا جائع جدًا.. كان يومًا مفعمًا بالمراجعات والاتصالات.. لم أصدّق أن الدوام انتهى! هى: دقائق ويكون كل شىء جاهزًا.. بدّل ثيابك وتعال.. هو: اتصل بى أخى يدعونا لنسهر عنده وأخبرته أننا سنلبّى الدعوة.. هى: ولِم لا تسألنى إن كنت أرغب بذلك؟، ألا تشعر بمعاناتى؟، لا أريد أن أزورَ أو أُزار! نفسيتى لا تسمح لى بذلك.. هو: معاناتك؟! لَم تخبرينى بشىء.. وأنا فى عملى طوال اليوم فكيف لى أن أتحسس ألمك دون تصريح منك؟ هى: لو اهتممت.. لعرفت!، أكاد أختنق!، خذنى إلى البحر أتأمّل الأفق الرحب! هو: لو اهتممت؟!، أَوَ لا أهتم؟!، وممّ تختنقين؟!، ما بك منذ أيام ثلاثة وأنتِ لستِ على طبيعتك.. تتحسسين من أى كلمة.. تبكين وأحياناً ترفعين صوتك.. وتتهميننى بأشياء وأشياء!!، كأنكِ امرأة أُخرى لا أعرفك! تتحشرج الكلمات فى حلقها.. وتذرف الدموع.. تدخل غرفتها وتغلق الباب!، يتخبط هو.. ماذا يحصل؟!، هل الموقف يستدعى كل هذا الحنق؟!، ويتساءل عمّا يجرى فلا يفهم! * * * كَم من الأزواج يعيشون وضعًا شبيهًا بما سطّرت؟!، والموضوع بكل بساطة يتمحور حول الدورة الشهرية التى تمر بها الزوجة كل شهر.. قد يعتقد البعض أن هذه الفترة هى كسائر أيام الشهر وأنه لا تأثيرات مباشرة على نفسية الزوجة أو تصرفاتها.. وهذا إن كان صحيحًا بالنسبة لبعض النساء إلا أنه غير واقعى لأكثر من ثمانين بالمئة منهنّ.. وعلى الأزواج أن يفهموا فقه هذه المرحلة ليستطيعوا مراعاة زوجاتهم وتقدير حالاتهنّ، ومساعدتهنّ على تجاوز هذه الأيام بأقل ألمٍ ممكن.. إن على الصعيد النفسى أو الجسدىّ.. ففترة الطمث – وربما قبلها بأيام - فترة غير مريحة ومعقّدة بسبب التغيرات الهرمونية.. تشعر فيها الزوجة بآلام مبرحة فى البطن والظهر والرأس وسائر الجسد.. وانتفاخ وتعب عام ونُعاس.. وتغيّر فى الشهيّة.. وتقلّبات سريعة فى المزاج.. وزيادة فى الحساسية والانفعالات.. وتوتر نفسى قد يصل حد الاكتئاب.. وفقدان الثقة بالنفس والسوداوية فى النظر للأمور.. فلو أدرك الزوج كل هذه التغيّرات "الطبيعية والخِلقية" عند الزوجة فهل سيظلّ يتوقّع منها أن تكون "هى هى" مع أنها تمر بكل ذاك أو حتى بعضه؟!، فقد تختلف تصرفاتها بشكل كبير.. يُهيّأ للزوج بعد تكرار ذلك كل فترة أن زوجته تعانى من مشاكل نفسية وربما من الفصام!، وبدل أن يساندها تجده يلقّنها دروسًا "نظريّة" فى إلزامية أن تكون "عادية" وأن ترتقى بنفسها فوق كل المجريات والمتغيرات والظروف المحيطة لتؤمّن له الراحة والسعادة التى يرتجى! وقد يغيب عن هذا الزوج أن الزوجة تحتاج إلى المساندة العاطفية منه هو شخصيًا وفى المقام الأول.. لتتخطّى المرحلة بهدوء.. فهى نصيحة للزوجة أن تخبر زوجها بما تحبه منه فى هذه الفترة وبما تكره.. وبأخلاقه الراقية يستجيب لها للحفاظ على هذه العلاقة الزوجية من التخبط والفشل! فيا أخى الزوج.. اقرأ عن هذه الفترة لتعرف ما تعانيه زوجتك.. وكن مُسهمًا فى تحسين مزاجها عبر كلماتك وأفعالك الهنيّة.. ساعدها فى البيت.. أو على الأقل لا تُرهقها بكثرة الطلبات، بل تغافل عن تقصيرها غير المتعمّد.. أخبرها أنها الصديقة والحبيبة والزوجة، واسأل عنها لتُشعِرها بالاهتمام.. حاول أن لا تتأفّف من وضعها حتى لا تزيد من ضيقها.. وأسعِدها بقصص مفرِحة ونكت "مهضومة".. شاركها فى نزهات وتمارين رياضية خفيفة.. ضع يدك على موضع الألم من جسدها وارقِها.. إنّ حساسيتَها فى هذه الفترة زائدة فَرَاعِها.. وهى قد تحاول تضخيم المشاكل الصغيرة أو إحداث مشكلة من لا شىء فتحمّلها ولا تأخذ الأمور على محمل شخصى!، هى كالفتيل المشتعل لا تعرف حتى هى متى تنفجر!.. زوجتك متعبة وبحاجة لتنفيس ما تجده فى داخلها!، شاركها فى مواجهة الأزمة لترتاح!، ولا تجادلها فى مواضيع مصيرية أو خِلافية حتى لا تنفعل أكثر وتتخذ قرارات أو تتفوّه بعبارات تسىء! أنصِت إليها واحْتَوِها! وتذكّر أنها زوجتك.. ولكن.. لا النفس هى نفسها.. ولا الجسد هو بنفس طاقته! أما رأيت الإسلام وقد حرّم التطليق فى فترة الحيض؟!، أتراه عبثًا؟!، لا وَرَبّى! فارأف بحالها.. وما سطّرتُ كلمات فى الخيال أو أحلام يقظة! ولكنها أخلاق الرجال.. حين تدق طبول الحاجة وينادى داعى الاستقرار.. وتشرئب أعناق المودة والرحمة فى خير دار.. أفلا تكون الكريم الذى يرعى.. والقلب الذى يحوى؟!.