«الشيخ الدليفرى».. من الفضائيات إلى المنازل ومندور: لا زالت موجودة إلى الآن.. وغالبًا ما تدور حول القضايا والمشاكل الاجتماعية وعلى رأسها الطلاق "اطلبونا.. وستجدون ما يسركم.. من لم يستطع المجىء يمكنه الحصول على فتواه بالتليفون، هنا الفتاوى "الدليفرى"، اطلبنا تجدنا فى بيتك، اسألنا ما شئت ونحن على استعداد لتلبية طلب الزبائن على مدار 24 ساعة". "فتوتك فى بيتك".. تقليد انتهجه بعض الدعاة، الذين تحرروا من القيود وتحركوا في مساحة واسعة فضفاضة، الأمر الذى يجعل كثيرًا من الناس يهرعون إليهم ويقبلون عليهم. والحقيقة أن هذا النوع من "الفتاوى الدليفري" ليس بجديد كما قد يظن البعض، فهي ظاهرة ابتدعها ما يعرفون ب"الدعاة الجدد"، الذين اشتهروا بالذهاب إلى البيوت، للالتقاء بمريديهم، وإلقاء الدروس عليهم، والاستماع إلى أسئلتهم. وهذه الظاهرة انتشرت في أوساط الطبقة الثرية خصوصًا، عبر استضافة الدعاة المشاهير في منزل أحدهم، وكانت مثل هذه اللقاءات تعقد بشكل دوري ومنتظم، ومثلت هذه الندوات واللقاءات فضاءً غير تقليدي في ميدان الدعوة، والتي كانت تأخذ شكل الندوات التي تستضيفها الأندية، إن كانت أكثر تحررًا. لكن الجديد في الأمر هو ما فعله الداعية الشيخ خالد الجندي مؤخرًا، حين عمل على المزج بين هذه الطريقة (زيارات المنزل) مع بثها تليفزيونيًا. وقدم حلقة خاصة على قناة "دى إم سى"، حاور خلالها أسرة مسيحية في منزلها، وتحدث مع ضيوفه عن الوحدة الوطنية، وذكرياته معهم، وأفتى خلال المقابلة، فى بعض أمور تخص الأسرة عن حياتها اليومية. على نهجه، سار زميله الداعية رمضان عبد المعز، الذى راح يقدم بعضًا من حلقات برنامجه "لعلهم يفقهون" المذاع عبر فضائية "دى إم سى" من داخل أحد المنازل فى جلسة عائلية. وراح يرد على أسئلة أفراد الأسرة ويجيب عليهم، ويفتى فى بعض الأمور التى تخص حياتهم اليومية. الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق، لجأ لتقديم هذا النوع من البرامج، وظهر مرارًا بضيافة كثير من الأسر، للإجابة على التساؤلات والرد على ما يشغل ذهنهم. وقال الشيخ خالد الجندي ل "المصريون"، إن "الدروس الدينية التي كانت تلقى في المنازل لم تعد موجودة الآن على الرغم من فوائدها الكثيرة، وجميع الدعاة الذين كانوا يشاركون فيها، وأنا واحد منهم، تركوا الأمر منذ عدة سنوات". وأوضح ل"المصريون"، أن "هناك أسبابًا كثيرة لغياب الدروس الدينية المنزلية وفي مقدمتها العامل الأمني، فهناك مخاوف من استغلالها من قبل بعض الفئات في الترويج لأفكار غير صحيحة أو الرغبة في تحقيق مكاسب سياسية، خاصة في ظل عدم وجود رقابة عليها بسبب طبيعتها الخاصة، واعتبار البعض لها نوعًا من التجارة، وهو ما يسيء إلى علماء الدين ونشر صورة سلبية عنهم". وأشار إلى أنه يتم طرح موضوعات نقاشية في مثل هذه اللقاءات دون قيود، وتتركز خصوصًا حول القضايا المجتمعية، وتبادل الخبرات والنصائح والعظات وتشجيع البعض على الالتزام وفعل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأكد الجندي أن "الحلقات الدينية موجودة منذ النبي صلى الله عليه وسلم، إذ حث على تعلم أمور الدين في الحديث الشريف "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"، فهي تقوم بدور تربوي من خلال تعويض ما يفتقده الأبناء في المدارس من تعلم أمور الدين، ويناقش خلالها موضوعات حساسة لا يمكن تناولها في وسائل الإعلام، كما أن التواصل المباشر مع الحضور يتيح لهم طرح الأسئلة والاستفسار وعدم حدوث سوء فهم للقضايا الدينية". وأشار الجندي إلى أن "لها لهذه اللقاءات المنزلية فوائد اجتماعيه أيضًا تتمثل في اكتساب المشاركين فيها كثير من الأصدقاء الجدد على أساس البر والتقوى، وذلك من خلال تبادل الزيارات بين المشاركين، ومن خلال انتشار هذه الحلقات تتعرف الأسر على بعضها البعض، وتكون فرصة للزواج والقضاء على العنوسة التي تؤرق كثيرًا من الأسر المصرية". ودعا الجندي لإعادة الدروس الدينية المنزلية من جديد، "على أن تكون تحت إشراف كامل من وزارة الأوقاف، ووضع ضوابط لها مثلها مثل زيارة الطبيب إلى المرضى في المنازل، فالدين أساس العلوم والتفقه فيه أمر ضروري لا غنى عنه؛ مثل الدواء والطعام والشراب، مشددًا على ضرورة أن يتقبل كل منا الآخر فمن لا يتفق مع هذه الطريقة في الدعوة يجب عليه احترام من يقوم بها". وأكد الدكتور منصور مندور، كبير الأئمة بوزارة الأوقاف، أن الحلقات الدينية المنزلية ما زالت موجودة، وتدعو إليها كثير من الأسر التي تحتاج إلى توضيح قضية معينة أو تسعى لتربية أولادها وتعلم أمور الدين، قائلاً إنه يُدعى هو وكثير من الدعاة إلى مثل هذه الحلقات إلى الآن. وأضاف ل"المصريون"، أن تلك الحلقات الدينية تتم باتفاق مسبق بين الشيخ المدعو وصاحب الدعوة الذي يقوم بدعوة أفراد العائلة والأصدقاء. وأوضح أنه "في أول نصف ساعة من الحلقة يلقى الإمام خاطرة على المتواجدين، وبعدها يتم فتح حوار مفتوح يكون موضوعه غالبًا حول الأسرة والزواج والطلاق والإيمان بالله ومشاكل الشباب في سن المراهقة، ويتحاشى فيه الشيخ الحوارات السياسية والحزبية والقضايا التي تثير الخلاف". وأكد أن "فائدة هذه الحلقة تتمثل في انفتاح ومخاطبة الناس على قدر عقولهم، ومراعاة المستوى الفكري والاجتماعي وتقريب المسافات بين المتخاصمين، وتتميز بطابع خاص على عكس الدروس التي تبث على التلفاز ولا يعلم خلالها الداعية طبيعة الجمهور الذي يتخاطب معه أو رد فعلهم". وأشار كبير الأئمة بوزارة الأوقاف، إلى أنه من المستحيل أن تشرف عليها وزارة الأوقاف، فلا يمكن أن يتصل شخص يريد دعوة شيخ في منزلة على وزارة الأوقاف ليأخذ الإذن منهم، "فالطبيب لا يتصل على وزارة الصحة ليطلب منهم إذن زيارة المريض".