المهرج والفأر الهزيل!

لم تكن مفاجأة على الإطلاق أن الجبل الذى شيدوه طوال الشهر الماضى المظاهرات 24 أغسطس تمخض عن فأر هزيل مثير للسخرية على النحو الذى طالعناه على مواقع التواصل الاجتماعى.
طبعًا حصل تهويل ومبالغة، وأكيد هناك خسائر اقتصادية تمثل تكلفة الاستعدادات الأمنية، التى كان لابد منها أمام التهديدات بحرق وتدمير المنشآت العامة والخاصة.. لكن لا يجب إهمال أى تهديدات مستقبلا والاسترخاء على الفأر، الذى رأيناه يوم الجمعة!
الأهم استلهام الدروس.. أولها أن حجم الثورة المضادة لا يزيد عن بضع عشرات وحتى هؤلاء غير مقتنعين بالمهرج ولا بكلامه عن قيادة الثورة، وتشكيله لمجلس رئاسى.
والدرس الأهم أن النظام الجديد تعامل بحرفية مع المظاهرات إيمانًا بأنها حق أصيل للشعب فى ظل الحفاظ على سلميتها، ومن ثم رأينا القاهرة والمحافظات الأخرى برغم الاشتباكات الطفيفة بين المتظاهرين من المؤيدين والمعارضين، منسجمة مع أجواء الديمقراطية الجديدة ومتفهمة لها.
يوم الجمعة أثبت أن قوة الشارع تنحصر بالفعل فى الإخوان والسلفيين وأنهم وحدهم القادرون على الحشد رغم الحملات الإعلامية المضادة، التى تشن ضدهم بلا هوادة منذ عام ونصف.
وهذا لا يعنى أن الثقة ستستمر إلى ما لا نهاية إذا لم يثبت هذا الفصيل وذاك كذب الحملات المضادة، وإذا تأخر النظام الجديد عن إثبات قدرته على إدارة الدولة، وهو يثبت بالفعل يومًا إثر يوم أنه قادر، فقد أنهى لأول مرة منذ ثورة 23 يوليو النظام العسكرى بشكل كامل وبطريقة ناعمة.. فى 45 يومًا حقق محمد مرسى ما حققه أردوغان فى 10 سنوات، وهذا ما قاله الأخير معلقًا على إقالة طنطاوى وعنان وحل المجلس العسكرى وإلغاء الإعلان الدستورى التكميلى.
يبقى بعد ذلك أن محمد مرسى فى حاجة إلى إعلام قوى يقول للناس ماذا يفعل.. إعلام محترف وفاهم وليس إعلامًا مؤيدًا كإعلام مبارك أو إعلامًا منافقًا مثل هؤلاء الذين تتقلب مواقفهم ما بين عشية وضحاها.
الإعلام يمسك عدادًا على محمد مرسى إلى أن يتم المائة يوم، وهذا يمثل حصارًا محكمًا حوله دون أن يسعى لشرح ما يؤديه وقد كانت هذه مشكلة مجلس الشعب المنحل، الذى أنجز الكثير ولم يذكره له أحد فيما نجح الإعلام المضاد فى تهوينه وتقزيمه.
رأينا الهجمة التى شنت عليه كأنه قاضى المحكمة، التى قررت حبس رئيس تحرير الدستور احتياطيًا، فى مقابل دفاع مرتعش من الرئاسة، فى حين أنه لو قدر لها إعلاميون محترفون لكشفوا الحقيقة ودحضوا الهجمة بأسانيد ووثائق متوفرة، والتى غاب استخدامها، فبدا الرئيس الذى قضى على دولة المشير فى طرفة عين، ضعيفًا أمام مجموعة من المهيجين الذين أتيحت لهم القنوات الفضائية عبر ساعتين استطاعوا خلالها ضرب سيادة القانون بواسطة الرئيس نفسه!
مرسى لم يتوقف ساعة واحدة عن العمل منذ بدء المائة يوم.. وليس مطلوبا منه أن يحول مصر إلى واحة من الأمن والأمان فى خلال هذه المدة القصيرة ويجعلها نمرًا اقتصاديًا، فهو لا يمسك عصا سحرية.. لكن الدولة فعلا تتغير وهناك إنجازات، ولو كان إنهاء الحكم العسكرى بكامله إنجازا وحيدا لكفاه.
والحق أن ذلك ليس الإنجاز الوحيد.. فمصر تسترد وعيها يوما بعد يوم. والطامعون فى سقوط ثورتها يتوارون عن الأنظار والشعب أكثر وعيا بمن يحفرون له القبور.
هل كان متوقعًا من مهرج يكذب القرآن الكريم، الذى كان يومًا محفظًا له، أن يقود ثورة لشعب متدين؟!
arfagy@hotmail.com