فى ربيع الآخر من عام 402ه (1011م) اجتمع فى بغداد جمع كبير من العلماء، والقضاة، والفقهاء، والمحدثون، والأشراف، وأعلنوا أن ملوك مصر من الفاطميين لا ينتمون إلى السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها وشهدوا جميعًا بأن الحاكم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار، والخزى والدمار، ابن معد ابن إسماعيل بن عبد الله بن سعيد، لا أسعده الله، فإنه لما سار إلى بلاد المغرب تسمى عبيد الله، وتلقب بالمهدى، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج، لا نسب لهم فى ولد على ابن أبى طالب، وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذى ادعوه باطل وزور، وأنهم لا يعلمون أحدًا من أهل بيوتات على بن أبى طالب، فهم خوارج كذبة، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعًا فى الحرمين، وفى أول أمرهم بالمغرب كان منتشرًا انتشارًا يمنع أن يدلس أمرهم على أحد، أو يذهب إلى تصديقهم فيما ادعوه، وأن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفار، فساق، فجار، ملحدون، زنادقة، معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية. وقد وقع على هذا المحضر من العلويين: المرتضى، والرضى، وابن الأزرق الموسوى، وأبو طاهر بن أبى الطيب، ومحمد بن عمرو بن أبى يعلى، ومن القضاة: أبو محمد الأكفانى، وأبو القاسم الجزرى، وأبو العباس بن الشيورى، ومن الفقهاء: أبو حامد الإسفرايينى، وأبو محمد بن الكسفلى، وأبو الحسن القدورى، وأبو عبد الله الصيمرى، وأبو عبد الله البيضاوى، وأبو على بن حكمان، ومن الشهود: أبو القاسم التنوحى. ومما يدل على أن هؤلاء أدعياء كذبة، وأنهم لا نسب لهم إلى على بن أبى طالب، ولا إلى فاطمة كما يزعمون، قول ابن عمر للحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، حين أراد الذهاب إلى العراق، وذلك حين كتب عوام أهل الكوفة بالبيعة إليه، فقال له ابن عمر: لا تذهب إليهم فإنى أخاف عليك أن تقتل، وإن جدك قد خير بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة على الدنيا، وأنت بضعة منه، وأنه والله لا تنالها لا أنت ولا أحد من خلفك ولا من أهل بيتك، فهذا الكلام يعنى أنه لن يلى الخلافة أحد من أهل البيت. وقد صنف القاضى الباقلانى كتابًا للرد على هؤلاء وهو ( كشف الأسرار وهتك الأستار) بيّن فيه فضائحهم وقبائحهم، وكان يقول عنهم أنهم قوم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض. نهاية الحاكم كان الحاكم قد تعدى شره إلى كل الناس، حتى أخته، فكان يتهمها بالفاحشة، فانتوت قتله، فاتفقت مع أكبر الأمراء وكان يدعى (ابن دواس )، اتفقت معه على قتله، فجهز عبدين من عنده، وطلبا منهما انتظاره على جبل المقطم، فلما كان الحاكم بحماره هناك كما هى عادته للنظر فى النجوم، استقبله العبدان وأنزلاه من على حماره، وقطعا يديه ورجليه وبقرا بطنه، وحملاه إلى مولاهما ابن دواس، الذى حمله إلى أخته، فدفنته فى مجلس دارها، واستدعت الأمراء والأكابر وصارحتهم بخبر موته، وبايعوا لابنه أبى الحسن على، ولقب بالظاهر، وكان فى دمشق، وجعلت تقول للناس إن الحاكم قال لى إنه سيغيب عنكم سبعة أيام ثم يعود، فاطمأن الناس، وعاد ابن أخيها من دمشق، فألبسته تاج جد أبيه (المعز) وبايعه الأمراء، وخلعت على ابن دواس خلعة سنية، وأقامت عزاء أخيها ثلاثة أيام، ثم أرسلت إلى ابن دواس طائفة من الجند بسيوفهم ليكونوا بين يديه وقوفًا فى خدمته، ثم حملوا عليه ذات يوم وقالوا له: أنت قاتل مولانا، وقتلوه، ثم قتلت كل من اطلع على سرها. وكان عمر الحاكم يوم مقتله 37 سنة، ومدة ملكه 25 سنة، ودامت مدة حكم الظاهر من عام 1021م حتى عام 1036، وجاء من بعده المستنصر بالله، الذى حكم مدة ستين عامًا، من عام 427ه (1036م) حتى عام 487ه (1094م)، وقال الذهبى إنه لم يسمع عن أحد من الملوك والخلفاء والسلاطين قد حكم مثل هذه المدة. ثم خلفه المستعلى بالله حتى عام 495ه (1101م)، ثم الآمر بأحكام الله حتى قتل عام 525ه (1130م)، ثم الحافظ لدين الله حتى عام 544ه (1149م)، ثم الظافر بأمر الله حتى قتل عام 549ه (1154م)، ثم الفائز بنصر الله حتى قتل عام 555ه (1160م)، ثم كان آخر ملوكهم العاضد لدين الله حتى عام 567ه (1171م)، حيث انتهت دولتهم، وبدأ العصر الأيوبى فى مصر، بتولى يوسف ابن أيوب، الذى تلقب بالسلطان الناصر صلاح الدين فيما بعد. مات العاضد وعمره 21 سنة، وكانت سيرته مذمومة، ويقول من أرخوا لسيرته أنه كان شيعيًا خبيثًا، لو أمكنه قتل كل من قدر عليه من أهل السنة. وكانت وفاة العاضد يوم عاشوراء، فحضر صلاح الدين جنازته، وشهد عزاءه، ثم استحوذ على القصر بما فيه، وأخرج منه أهل العاضد إلى دار أفردها لهم، وخصص لهم دخلاً يكفل لهم عيشة هنية، وكان صلاح الدين حتى ذاك الحين وزير العاضد، خلفًا لعمه أسد الدين شيركوه، الذى توفى سنة 564ه. ويقول ابن كثير: كان الفاطميون أغنى الخلفاء، وأكثرهم مالاً، وكانوا أجبرهم، وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت فى دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج (الصليبيون) على سواحل الشام بكماله، حتى أخذوا القدس، ونابلس، وعجلون، والغور، وغزة، وعسقلان، وكرك الشوبك، وطبرية، وبانياس، وصور، وعكا، وصيدا، وبيروت، وصفد، وطرابلس، وأنطاكية، واستحوذوا على بلاد آمد، والرها، ورأس العين، وبلاد شتى غير ذلك، وقتلوا من المسلمين خلقًا لا يحصيهم إلا الله، وكل هذه البلاد كان الصحابة قد فتحوها وصارت دار إسلام، وحين زالت أيامهم، وانتفض إبرامهم، أعاد الله عز وجل هذه البلاد إلى المسلمين بحوله وقوته، وجوده ورحمته (ا0ه). جرائم الفاطميين يقول المفكر الليبى الدكتور على محمد الصلابى فى بحث منشور له عن الدولة الفاطمية: إن الباطنيين الروافض الشيعة ارتكبوا فى أهالى الشمال الإفريقى من أهل السنة، ما تشيب منه الولدان، ولا تصدقه العقول، وأنزلوا غضبهم وسخطهم على العلماء خاصة. فعندما ادعى عبيد الله الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان، وهو جالس على كرسى ملكه، وأوعز إلى أحد خدمه، فقال للشيخين: أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا بلفظ واحد: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره، يقولان إنه رسول الله، ما قلنا ذلك، فأمر بذبحهما، وهذان الشيخان المغربيان هما: ابن هذيل، وابن البردون (أنظر سيرتهما فى سير أعلام النبلاء للذهبى الجزء 14). وقال الذهبى فى الجزء الخامس عشر من مؤلفه المشار إليه: إنه فى حوادث سنة تسع وتسعين ومائتين، عن عبيد الله المهدى الزنديق، أنه لم يدع الرسالة فحسب، بل سمح لأتباعه أن يغرقوا فى كفرهم حتى ألهوه (جعلوه إلاهًا)، وكانت أيمانهم المغلظة (وحق عالم الغيب والشهادة مولانا الذى برقادة)!! ونذكر هنا على سبيل المثال عددًا من جملة جرائم الفاطميين، ومنها: شنوا حربًا نفسية على أهل السنة، وذلك بتعليق رءوس الأكباش والحمير على أبواب الحوانيت، وكتبوا عليها أسماء الصحابة رضوان الله عليهم، وأظهروا سب الصحابة، وطعنوا فيهم، وزعموا أنهم ارتدوا بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وخصصوا دعاة للنداء بذلك فى الأسواق، ومن يذكر الصحابة بخير يقتل أو يسجن. عملوا على إزالة آثار بعض من تقدمهم من الخلفاء السنيين، فأصدر عبيد الله أمرًا بإزالة أسماء الحكام الذين بنوا الحصون والمساجد، وجعل اسمه بديلاً عنهم. منعوا أى تجمعات بين الأهالى خوفًا من الثورة عليهم، وجعلوا لذلك بوقًا يضرب أول الليل، فمن وجد بعد ذلك ضرب عنقه، كما أنهم كانوا يفرقون الناس الذين يجتمعون على جنازة من يموت من العلماء. أتلفوا مصنفات أهل السنة، ومنعوا الناس من تداولها، وحرموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك، واعتبروا ذلك جريمة عقوبتها الضرب بالسياط، أو السجن، أو القتل أحيانًا، كما منعوا علماء أهل السنة من التدريس فى المساجد، والاجتماع بالطلاب. عطلوا الشرائع، وأسقطوا الفرائض عمن تبع دعوتهم، وأباحوا الخمر والزنا وغيرهما من المحرمات. زادوا فى الآذان (حى على خير العمل) وأسقطوا من آذان الفجر (الصلاة خير من النوم)، ومنعوا الناس من قيام رمضان، ومنعوا صلاة الضحى، وكانت خطبة الجمعة تخصص لسب الصحابة، فتركها الناس، وأقفرت المساجد فى زمنهم. من جرائم عبيد الله الكثيرة أن خيله دخلت المسجد، فقيل لأصحابها كيف تدخلون المسجد؟ فقالوا: إن أرواثها وأبوالها طاهرة، لأنها خيل المهدى، فأنكر عليهم قيم المسجد ذلك، فذهبوا به للمهدى فقتله!! لا توجد بدعة فى مصر إلا وتجد هؤلاء المسلمين بالفاطميين هم مبتدعوها، ففى ذكرى مولد المصطفى الذى بعث برسالة (التوحيد) ابتدعوا (تماثيل الحلوى) لتدخل كل بيت مسلم فى الذكرى العطرة، فى شكل حصان أو عروسة، وهى امتداد لأصنام الجاهلية... وهم الذين ابتدعوا الذكر بالصاجات والتمايل كالمتراقصين فيما يعرف بحلقات الذكر... وهم الذين روجوا للتبرك بالقبور، وادعوا جلب رأس الحسين بن على للقاهرة، وأكثروا من بناء القبور على المساجد، وأطلقوا عليها اسم (المشاهد) رغم منافاة ذلك لصحيح الدين... وهم الذين أحالوا شهر رمضان من شهر صيام وعبادة ليكون شهر طعام وسهر ومجون!! إن أجيال من المسلمين الذين يقرأون تاريخ الفاطميين لا يعرفون إلا تاريخهم السياسى فقط، ذهب فلان وخلفه فلان، وأنها دولة اهتمت بنشر العلم، لكنه العلم المضلل، ولا ينسب لهم أى فضل أو مكرمة فى أى مجال. أخيرًا.. من يرى أننى قدمت فى هذا البحث شيئًا غير منطقى، أو من لديه تحفظ على أى كلمة فصدرنا يتسع لقبول كل الآراء.