القرارات الحاسمة والمفاجئة التى اتخذها الرئيس محمد مرسى فيما يتعلق بعزل قيادات عسكرية رفيعة كان دافعها الأساس هو تصحيح مسار الوطن والثورة ووضع البلاد على طريق التعافي، وأنا واثق من أمانة وصدق الرئيس عندما تكلم عن هذه القرارات بوصفها لم تستهدف أشخاصًا أو إحراج مؤسسات وإنما قصدت مصلحة الوطن، صحيح أنها خدمت محمد مرسي في النهاية والمحصلة وعززت قيادته للدولة المصرية في المرحلة المقبلة، ولكن ذلك كان ضروريًا لاستقامة أمر الدولة المصرية وإنهاء ازدواجية القرار في رأس السلطة، لأن تلك الازدواجية أضرت كثيرًا بمصالح الدولة وقيمة المؤسسة العسكرية معًا، وكان يستحيل على الرئيس أو المجلس العسكري أن يحقق أي إنجاز أو إضافة على أرض الواقع في ظل هذه الازدواجية، أحدهما كان لا بد أن يرحل ويغيب عن المشهد السياسي، وبطبيعة الحال فإن الدكتور مرسي كان هو الطرف الذي يملك الشرعية الشعبية الحقيقية والمنتخبة، والذي أتى عبر انتخابات نزيهة وتاريخية، وكان هذا مصدر قوته، أيضا، بدون أدنى شك فإن قرارات مرسي ما كان لها أن تمر من غير أن يكون لها قبول في المؤسسة العسكرية ذاتها وكثير من قادتها، حتى إن أضرت بأعضاء المجلس العسكري وأنهت دورهم السياسي وقطعت الطريق على "قلة" من المغامرين الذين لعب الشيطان برؤوسهم، وبالتالي فلنا أن نؤكد أن تلك القرارات التصحيحية أتت بتوافق مدني عسكري، وكل الإجراءات الاحترازية التي اتخذت حيال المشير طنطاوي والفريق عنان لعدة ساعات تالية لتلك القرارات لم يكن مقصودًا بها إهانة أي منهما أو وضعهما قيد الإقامة الجبرية، وإنما مجرد إجراءات احترازية ضرورية تفاديًا لأي مفاجآت توقع الدولة في توتر أو انقسام، وقد تمت الأمور على خير وقضي الأمر وتم انتقال القرار العسكري لقيادة جديدة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة وطهارة اليد، وأتصور أن الخطوة القادمة أن يبدأ الرئيس وحكومته وفريقه الرئاسي المنتظر في المعالجة السريعة لهموم المواطن ومعاناة الناس التي امتدت لأكثر من عام ونصف في أعقاب الثورة، خاصة في ملفي الأمن والاقتصاد، ولا يمكن الالتفات إلى تصفية حسابات ضيقة مع هذا الطرف أو ذاك، أو الانشغال بمحاسبة هذا أو ذاك، لا وقت للنظر إلى الوراء الآن وإضاعة الوقت فيه، وينبغي التعامل باحترام كامل وتقدير للقيادات العسكرية التي غادرت المشهد الآن بمن في ذلك المشير طنطاوي والفريق عنان، والحديث عن أخطاء سياسية في إدارة المرحلة الانتقالية لا يقلل أبدًا من الدور الذي تحملوه في الوصول بالبلد إلى بر الأمان، لن ننسى أن المجلس العسكري كان شريكًا في الثورة بإجباره مبارك على التنحي في اللحظات الحاسمة، ولا ننسى أنه وظف قدرات الجيش في حفظ الأمن وحماية الدولة من الانهيار في ظروف لم يكن فيها دولة أساسا، وكان استخدامه للعنف والسلاح في أضيق الحدود وكان حريصًا على حرمة الدم المصري، وأي قيادة أخرى في تلك الفترات القلقة والهائجة كانت ستخطئ وتتورط في شيء من هذه القسوة التي بدت أحيانًا صادمة، كما لا ننسى أن المجلس العسكري أدار الانتخابات النيابية والرئاسية بنزاهة وشفافية، وأيًا كانت التفاصيل التي جرت في الكواليس إلا أننا في النهاية كنا أمام حقيقة إنجاز انتخابات ديمقراطية هي الأفضل في تاريخ مصر، لكل ذلك أؤيد تمامًا ما قام به الرئيس مرسي من منح المشير طنطاوي قلادة النيل ومنح الفريق عنان وسام الجمهورية من الطبقة الأولى بما يعني تحصينهما من المساءلة والمحاكمة، هذا قرار شجاع وأخلاقي وضروري، كما أنه يعني أن الدولة المدنية ترد الجميل للمؤسسة العسكرية، وأن مصر كما كانت ثورتها حضارية وسلمية ومبهرة للعالم كله، فإن عملية انتقال السلطة فيها تمت بطريقة سلمية وحضارية ومبهرة، لا مكان فيها للتشفي أو العنف ولا مكان لتصفية حسابات ولا مكان لإهدار كرامة أحد، نحن اليوم يحق لنا أن نفخر بهرمين جديدين في مصر: ثورة يناير التي تفردت بين ثورات المنطقة بسلميتها وحضاريتها ومؤسستنا العسكرية التي تفردت بين جيوش المنطقة بحضاريتها وأخلاقيتها والتزامها الكامل بالشرعية وإرادة الشعب، وبتعاون كل المخلصين سنبني وطنًا جديدًا مفعمًا بالحرية والكرامة والعدل والرفاهية، ودولة حديثة علمًا وإدارة وتخطيطًا واقتصادًا وأمنًا وقانونًا وبنية أساسية وتداولاً سلميًا للسلطة فيها ونهضة فى كل المجالات، بإذن الله.