لم تضرب إسرائيل الرمل أو "توشوش" الودع عندما سحبت مواطنيها من سيناء وحظرت عليهم السفر إليها قبل 48 ساعة من وقوع جريمة رفح الشنعاء فى حق ضباطنا وجنودنا البواسل لمجرد أنها تكهنت فقط أن عمليات إرهابية ستقع فى سيناء أو على الحدود مع مصر، كما أن موسادها "لم يشم على ظهر يده" وهو ليس من الشفافية ليتكهن بالغيب، القارئ بدقة لتسلسل الأحداث لابد أن يخرج بتلك النتيجة البديهية، أن للموساد يدًا فى جريمة رفح بصورة أو بأخرى ليس لأنها تكهنت أو حذرت، وليست تتآمر حول مصر منذ ثورة يناير بقوة أكبر من مؤامراتها السابقة، وليس لأنها تنظر بعين الخوف لأى استقرار وتنمية وديمقراطية فى مصر، أو لأنها تتخوف من أى تقارب مصرى فلسطينى، بل لأجل هذا كله وفوقه رغبتها القاتلة فى وضع يدها على سيناء لتغرس من جديد شوكة فى رئة مصر الشرقية، وتعيدنا لنقطة الصفر، نقطة ما قبل استعادة سيناء. والسيناريو الذى أطرحه ليس بعيدًا أو غريبًا، فإسرائيل قد سعت فى الأشهر الأخيرة إلى تفعيل نشاط فرق "المستعربين" والمعروفة بفرق الموت الصهيونية، والتى يعود تاريخ نشأتها إلى الثلاثينيات عندما قامت عصابة (الهاغاناة) بتشكيل فريق من أعضائها للقيام بمهام استخبارية، وتنفيذ أعمال قتل وتصفيات ضد الفلسطينيين عبر التخفى بلباس عربى واتخاذ أشكال شبيهة بالعرب الفلسطينيين، ثم تحُوّلت فرقة المستعربين إلى دوائر الاستخبارات العامة، وفى نهاية الثمانينيات عند انطلاق الانتفاضة الأولى بالضفة الغربية وقطاع غزة، أصبح المستعربون تحت إدارة وتوجيه الجيش، ومدربين تدريبات عسكرية عالية على الاغتيال والتخفى، ونفذت وحدات من المستعربين عمليات خطف واغتيال لعشرات من نشطاء فتح، حماس والجهاد، والفصائل التابعة لها إبان الانتفاضة الثانية.. وعادةً ما يستقل أعضاء هذه الفرق سيارات تحمل اللوحات الخاصة بالضفة والقطاع، ويرتدون ملابس مدنية محلية أو ألبسة عربية تقليدية، وقد يرتدون الشعر الاصطناعى أو اللحية إن استوجب الأمر، وهم يجيدون اللغة العربية بحرفية كبيرة وبكل اللهجات: فلسطينية، لبنانية وسورية، وهى دول الطمع الإسرائيلى، والتى لا يزال الصراع دائرًا معها، وتقوم هذه الفرق بالتنسيق والتخطيط مع وحدات أخرى من الجيش الصهيونى ومع جهاز "الشين بيت" الذى يوفر المعلومات والخلفيات فى شأن الضحية المقصودة، وقد نفذت هذه الفرق مئات جرائم القتل لأعداد كبيرة من المواطنين والقادة فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وفى عدد من الدول العربية مستغلين فى ذلك معرفتهم الكبيرة بالواقع والعادات والتقاليد العربية عامة، والفلسطينية خاصة، ومؤخرًا نشرت إسرائيل أعدادًا منهم بين بدو سيناء بزعم العمل على ضمان أمن إسرائيل وكشف مخططات الإرهاب ضدها بصورة مبكرة، ويحمل هؤلاء هويات فلسطينية وعربية مزيفة، وما أطرحه هو قيام عناصر من تلك الفرقة بعملية رفح، والباحث عن أدلة عن قرب سيجدها، وعلينا أن نبحث فى أسرار السرعة التى وصلت بها إسرائيل إلى مرتكبى الهجوم، وصور رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك التذكارية بجانب المدرعة المصرية بعد إحراقها وهم يبتسمون فى اطمئنان وسعادة شامتة، ومن ثم الجثث التى تفحمت لما زعموا أنهم مرتكبو الهجوم والتى لا أستبعد أنها جثث لأسرى من الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل فى سجونها منذ أعوام، وقد تم اقتيادهم إلى مكان المدرعة وقتلهم وإحراق جثثهم لتكون أركان الجريمة جاهزة وأصابع الاتهام موجهة بقوة إلى عناصر فلسطينية، هذا هو السيناريو الذى يجب أن نبحث وراءه.