صاحب «مطعم الناصري» في رام الله كان شاهدا على ما حدث: تصل الى باب المطعم سيارة صالون من نوع «تيوتا» شبيهة بتلك التي تستخدمها شركة الكهرباء في المدينة. ينزل من السيارة اربعة اشخاص لا يبدو على مظهرهم الخارجي ما يثير الشبهات. فهم يرتدون زيا عربيا، ويستقلون سيارة تحمل ترخيصاً عربيا. يخرج الشاب عمر عبد الحليم ابو ظافر وصديقه من المطعم بعد ان تناولا طعام الغداء. وما ان يخطوا خطوات قليلة خارج الباب حتى يطلق الاربعة النار عليهما. يسقط عمر ويهرب صديقه، يحاول عمر الذي اصيب في كلتا رجليه النهوض، لكن رصاصات تعاجله وتصيبه في الرأس ليسقط لافظا انفاسه الاخيرة. وفجأة تنبت الارض مسلحين، يتحول الاربعة الى عشرة، ثم تتقدم قوة كبيرة من الجيش الاسرائيلي الى الموقع لحمايتهم. هذا المشهد واحد من الاساليب التي يستخدمها المستعربون الاسرائيليون، وهم رجال «وحدات خاصة» اسست خصيصا للدخول الى التجمعات السكانية الفلسطينية والقيام بعمليات اغتيال واعتقال بحق المستهدفين من نشطاء الانتفاضة من دون اثارة الشبهات التي ترافق العمليات العسكرية للجيش الرسمي. واسست اسرائيل وحدتين للمستعربين في العام الثاني من الانتفاضة الاولى عام 1989 لغرض دخول الاراضي الفلسطينية والقيام بعمليات قتل او اعتقال للنشطاء، كل منهم وفقا للقرار الرسمي الصادر بحقه. وخصصت واحدة من هاتين الوحدتين للعمل في الضفة الغربية واطلقت عليها اسم «دفدوفان» اي الكرز. وخصصت الثانية للعمل في قطاع غزة واطلقت عليها اسم «شمشون» وهو اسم لشخصية اسطورية من التاريخ اليهودي. ويقول مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية «بتسيلم» ان وحدة «دوفدوفان» بدأت عملياتها في الضفة الغربية باغتيال تلميذ في السابعة عشرة من عمره من قرية طمون يدعى سعود بني عودة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1989. ومنذ ذلك التاريخ قتل افراد هذه الوحدات المئات من المطلوبين في عمليات اعدام ميدانية شهدها العشرات. ففي نابلس قتلوا في احدى المرات خمسة من افراد مجموعة مسلحة تابعة لحركة «فتح» اثناء وجودهم في صالون للحلاقة. وفي قرية عرابة قرب جنين اوقف جنود من هذه الوحدات اربعة مطلوبين من ذات الحركة، وصفّوهم على الحائط، واطلقوا النار عليهم جميعا، واردوهم قتلى. ونقلت وسائل الاعلام في حينه صورا تظهر اجزاء من ادمغة الاربعة على حائط الاعدام. وينص القانون الاسرائيلي على منع الاعدام لكن هذه الوحدات تنفذ الاعدام في عمليات قتل ميداني تغض السلطات القضائية الاسرائيلية الطرف عنها. وفي السنوات الاولى للانتفاضة استخدمت اسرائيل هذه الوحدات لتنفيذ عمليات في اطراف المدن وليس في قلبها وذلك خشية وقوع افرادها اسرى بين ايدي رجال الامن والمسلحين. اما في السنوات الاخيرة التي ضعفت فيها اجهزة الامن وتبعثرت فيها المجموعات المسلحة فقد استُخدمت هذه الوحدات على نطاق واسع. ففي مدينة نابلس اقدم جنود من هذه الوحدات قبل ايام على اعدام شاب على مدخل المخيم على مرأى من العشرات. فقد اوقفوا سيارته وافرغوا عشرات الاعيرة النارية في جسده. وفي بعض الاحيان تُستخدم هذه الوحدات في عمليات اعتقال معدة جيدا. ففي مدينة رام الله اعتقلت هذا الاسبوع كادرا من كتائب شهداء الاقصى مطلوبا منذ السنوات الاولى للانتفاضة. فقد دخلت مجموعة من جنودها المتخفين بزي مدني الحي الشمالي للمدينة، وطوّقت سيارة خالد ابو شاويش المصاب بشلل نصفي جراء اصابته بعيار ناري في اشتباك مع الجيش، واعتقلته. وبعد اعتقاله اعلن جيش الاحتلال الاسرائيلي ان ابو شاويش متهم بتنظيم هجمات ادت لمقتل ثمانية جنود. ولتخفيهم في زي فلسطيني واستخدامهم سيارات تحمل لوحات فلسطينية فان افراد وحدات المستعربين يدخلون المجمعات التجارية والمطاعم ومقاهي الانترنت. وقد اعتقلوا قبل اشهر احد افراد الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي اثناء وجوده في مقهي للانترنت. ويُعتقد ان المخابرات الاسرائيلية كانت تتابع المحادثة التي كان يجريها هذا الشاب. وفي رام الله ايضا دخل افراد من هذه الوحدات قبل اشهر مكتبا في مجمع تجاري داخل المدينة وحاولوا اعتقال مجموعة من المطلوبين كانت تعقد اجتماعا فيه. وقد نجا افراد المجموعة بعد الكشف عن وجود الوحدة جراء خطا فني ارتكبه احدهما حينما سقط سلاحه الرشاش ارضا على مدخل المجمع. فقد هاجمهم عشرات المواطنين بالحجارة ما اضطرهم لاخراج اسلحتهم واطلاق النار، ما جعل المطلوبين يفرون من المكتب يقبل ان يصل اليه الجنود المتخفون. وبعد دخول الجيش لحماية افراد الوحدة وقعت اشتباكات دامية سقط فيها اربعة من المتظاهرين. وان كانت وحدات المستعربين حققت الكثير من النجاح في التسلل الى وسط التجمعات السكانية والدخول الى المطاعم والمقاهي من دون اثارة الشكوك، الا ان لعنة الموت لاحقتها في مرات عديدة. ففي احد المخيمات في شمال الضفة قتل افراد من هذه الوحدات زميلين لهم اشتبهوا انهم مسلحون فلسطينيون لما ابدوه من حرفية عالية في التخفي. وفي غزة سُجل العديد من الحالات المشابهة التي اتقن فيها افراد هذه الوحدات التخفي فاثاروا شبهة زملائهم الذين قتلوهم ظنا منهم انهم فلسطينيون. وتتوقع اجهزة الامن الفلسطينية ان تكثف اسرائيل من استخدامها لوحدات المستعربين في المرحلة المقبلة لتنفيذ عمليات دقيقة تتطلب التسلل الى اماكن وجود المطلوبين في ساعات النهار التي لا يستطيع الجيش بدورياته المصفحة الوصول خلالها من دون اثارة انتباه المطلوبين الذين يسارعون في الاختفاء.