قرأت، كما قرأ الكثيرون، تصريحات الحكومة على لسان وزير الاستثمار، التى اعتبرها البعض تهديدا ووعيدا واعتبرها البعض الآخر ردة إلى الوراء بخصوص سحب تراخيص القنوات الفضائية التى تبث إشاعات أو أخباراً كاذبة من شأنها تهديد أمن المجتمع واستقراره، فالسرعة التى خرجت بها هذه التصريحات بعد تشكيل الحكومة بفترة وجيزة أثارت مخاوف من تقليص هامش الحريات، التى يحظى بها الإعلام ولكن أيها السادة دعونا نقول إن تنظيم العمل الإعلامى فى مصر أصبح ضرورة حتمية فى هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ مصر فلا حرية بدون ضوابط ومواثيق للشرف الإعلامى تضمن عدم المساس بالأديان أو إثارة النعرات الطائفية وضمان الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، التى تحاول بعض الفضائيات جاهدة إلى إهدارها ولا نعرف الهدف من ذلك هل هى مكاسب مادية أم محاولة جديد للاستعمار من قوى خارجية تسعى من خلال الإعلام الموجه إلى تغيير مجتمعنا من الداخل وتوجيه شبابنا إلى مالا ينفع لتدمير البنية الأساسية لهذا المجتمع، فنحن أمام حالة من الانفلات الإعلامى غير المسبوقة تمارسها تحديدًا بعض برامج التوك شو فهذه البرامج تخاطب جماهير ضخمة من المثقفين والبسطاء وكل فئات المجتمع، ولكن مقدمى هذه البرامج تصوروا أنفسهم نجوما يصنعون الرأى العام ويوجهونه إلى ما يخدم أهداف القناة أو أهداف مموليها بل إن البعض منهم تصور نفسه قادرًا على التوجيه السياسى متناسيا وظيفته الأساسية وحياديته المفترض توافرها فيمن يمارس هذه المهنة ولكن الالتزام لأهداف القناة وأهداف من يمولها أصبح هو سيد الموقف، وقد تؤدى بعض هذه البرامج على قنوات مختلفة، إلى تعميق هوة الخلاف العربى أو لنشر أفكار هدامة أو لإثارة الرأى العام على قضية ما أو حادث فردى هنا أو هناك ولا يرقى لمرتبة الظاهرة فنجد هذه البرامج قد خصصت حلقات وحلقات لمناقشة الموضوع وطرح آراء وأحكام وإثارة الرأى العام دون النظر إلى عواقب ذلك على المجتمع والشباب بصفة خاصة إنما النظر يكون فقط لحجم الإعلانات التى ستربحها القناة من وراء ذلك ومدى النجومية، التى ستضاف إلى المذيع الفاضل والشعبية، التى يكتسبها من وراء الشعارات التى يرفعها وكثير من الأحيان لا يصدقها هو شخصيا وللأسف فقد انجرف تليفزيون الدولة مؤخرا إلى هذا أيضًا لمجرد الظهور بالمدافع عن قضايا الشعب أو للترويج الإعلامى وأصبحت مصادر التليفزيون المصرى التى يستقى منها أخباره هى القنوات والصحف الخاصة دون النظر إلى الاعتبارات المجتمعية أو السياسية المنوط بها والمفترض به الحفاظ على توجيه الرأى العام إلى ما يخدم مصلحة هذا البلد . ومن هنا نتوجه برسالة إلى المسئولين عن الإعلام المصرى: - لابد من ضرورة إعادة النظر فى بنود ميثاق الشرف الإعلامى الحالى فهى تحتاج إلى تغيير جذرى أو بالأحرى وضع ميثاق شرف إعلامى جديد يتوافق مع طبيعة الإعلام الحالى وممارساته فنحن فى حاجة ماسة إلى وجود ضوابط وتشريعات فى هذا الميثاق تكون قابلة للتطبيق وليس عبارات مطاطة مرنة يسهل التحايل عليها مع الحفاظ على حرية الرأى والتعبير طالما كانت تتوافق مع معاييرنا الإعلامية وتتوافق أيضًا مع قيم مجتمعنا والمصالح العليا للبلاد. - أن يكون النهوض بالإعلام المصرى مرتبطاً بوضع هذا الميثاق وأن يعتبر مشروعا قوميا تحت رعاية رئيس الجمهورية، ويتم عقد مؤتمر إعلامى تتكاتف فيه كل القوى الإعلامية المحبة لمصر لوضع هذا الميثاق الإعلامى ولعل مصر تذخر بالإعلاميين المثقفين والمخلصين وألا يشترك فى وضع هذا الميثاق أصحاب المصالح الفضائية أو أن يتم الإذعان لمطالبهم فهم فى النهاية يسعون خلف مصلحة فردية، وكذلك ألا يقتصر المؤتمر على من يسمون بأساتذة الإعلام وخبراء الإعلام النظرى الذين تشبعت منهم عقول الجماهير فى العهد السابق بصفتهم خبراء الإعلام وكانت النتيجة تخلف وردة إعلامية بل يضم كافة الطوائف الإعلامية الحقيقية وليس مرتزقة الإعلام والفضائيات. - لابد من وجود إجراءات رادعة قد تصل إلى إغلاق القناة مهما كان نفوذ من يمتلكها إذا خرجت عن إطار ميثاق الشرف الإعلامى، الذى سوف يعتبر هو القانون المنظم لعمل الإعلام فى مصر. - ألا يكون إغلاق القناة أو سحب رخصتها بقرار إدارى من السلطة التنفيذية، وإنما بحكم قضائى عن طريق إنشاء دائرة قضائية متكاملة متخصصة فى شئون الإعلام وخاصة بالمنازعات الإعلامية ولها لجانها الإعلامية الخاصة ومستشاروها الذين لا يرتبطون بأى مصالح فضائية. أيها السادة إننا نسعى فى النهاية إلى الحفاظ على أمن مجتمع واستقراره ولن يتحقق هذا إلا بإعلام قوى يبنى ولا يهدم يحافظ على مصلحة الوطن قبل أى مصالح فردية أو مادية. الأمين العام لجمعية الإعلاميين العرب