قابعةٌ فى عمق غرفةٍ تتلفّتُ يمنة ويسرى.. هل من سبيلٍ فتهرب؟! تكاد الجدران تطبق على صدرها لتحطم الضلوع.. فتبدأ بتحطيم الأحلام وزعزعة النبضات! فى زوايا هذا البيت كان ثمّة أمل.. بأن الآتى لا بد أجمل! قبل أن تستسلم لطرقات الحزن المتتالية على باب الأمنيات! فغزا ذلك اللئيم الأماكن والفراغات.. ليملأ كل مساحة كانت يومًا خضراء.. فاكتنفها الوجل! دائمُ الانشغال.. يترنّح بين عملٍ هنا واستحقاق هناك.. يحاول صفَّ عبارات حبّ تبلُّ ريقها.. فينجح مرّةً.. ويخفق مرّات! فما تتوخّاه من هذه العلاقة هو أكثر بكثير من مجرّد كلمات.. هى: مخنوقةٌ أنا.. هل نستطيع الخروج الليلة "لأتنفّس"؟! هو: لديّ مواعيد هذا المساء.. هل يمكن أن نؤجّلها إلى يوم آخر لا أكون فيه مشغولاً؟! هى: وهل يمضى يومٌ لا تكون فيه مشغولاً حتى النخاع؟! وكم مرة تواعدنا فأخلفت لأنّ كل شىء لا يمكن أن يؤجَّل إلا أنا! عليّ أن أستوعب وأضحّى وأكابر! وهذا يعطينى انطباعًا أن كل شىء هو أهم منى! هو: تعلمين جيداً أننى مرتبط بعمل لا ينتهى بنهاية الدوام.. ما يعنى أنه يتوجّب عليّ أن أتابع كل حين.. ولا أقوم بكل ذلك لنفسى فقط! وإلا فكيف سأنفق على هذا البيت لتعيشوا فى المستوى ذاته؟! هى: نعم.. أعلم أنك تعمل من أجلنا وستؤجر بإذن ربى جل وعلا.. ولكن لأهلك عليك حق! بتّ أتوق أن نخرج معاً كأى زوجين.. نتحاور فى مواضيع شتّى حتى لو لم تكن ذات أهمية.. نحتسى القهوة معاً.. ننظر فى عيون بعضنا لنخترق الجُدُر ونتوغلَ حتى الشغاف! أنت حبّى البعيد.. وأنا المحبوسة بين جدران قلبك بقيود نسجْتَها بيديك! هو: وكأننى لا أتكلم معك.. ولا أعطيك ما ترغبين.. ولا أهتم بك.. كونى منصفة! لم يتبق إلا أن تقولى أننى لا أحبك وأننى فقط أبيع الكلام حروفاً بالمزاد! متعِبةٌ هى الهواجس التى تجتاح كلا القلبين.. ومضلِّلةٌ هى تلك الأقكارُ التى يقرؤها كل واحد حين ينظر من زاويته.. دون أن يفهمَها الآخر لأنه لا يرى إلا ما يريد رؤيته.. وقد يكون كلا الزوجين على حق فى الموضوع عينه وما يترتّب عليهما هو أن يتحاورا ليتفهّم الواحدُ وجهة نظر الآخر بهدوء وحب! فالمرأة تعمِّم حتى يُخيَّل للسامع أنها "لم ترَ خيرًا منه قط"! وما تريد قولَه هى ليس ذاك! وإنما غاية مطلبها أنها تريد القرب منه أكثر.. وأن تشعر بنَفَسِه على زجاج قلبها لترتاح وتستبشر.. ولِم كل ذلك؟! لأنها تحبه! وتحتاجه! وربما تعشقه! وهى حين تشتكى إنما تريد "الدنوَّ" منه.. وليس النقد ولا الاستهزاء! والرجل حين ينشغل ويعطى بعض وقتٍ لزوجته يهيَّؤ إليه أنه –ربما- يفى بحقها عليه.. ويحتسب وقت العلاقة الخاصة من وقتها كأن لا حظ له فيها على أساس أنه يقوم بهذه العلاقة من أجلها فقط!! ويعتبر أن كلامه "العادى" معها فى شئون العمل والبيت هذا منتهى ما بينهما.. والأمر ليس ذاك بالنسبة للمرأة! فهى تريد وقتًا تختلى فيه بحبيبها ليتكلما عن بعضهما.. مشاعرهما.. همومهما.. وربما عن لا شىء يهم! فقط هى جلسة ولو قصيرة قد لا تتعدّى النصف ساعة فى اليوم لتتعانق روحاهما وينجلى الران! تحتاج هذا الوقت لتدرك أنها ذات أهمية فى حياته.. وأنه متلهّف لها ولشذى حديثها.. فى أى شأن تكلّما! بعيدًا عن صخب الحياة! فقط هو.. وهى! ولا حجّة لرجل فى انشغاله.. فمهما تكن المهمات فلن يكون منشغلاً أكثر من الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه إذ كان قائدَ الأمّة!! ولم يشغله ذلك عن أن يكون زوجًا شغوفًا مداعبًا مهتمًا يقف لأمنا عائشة حتى تشاهد لعب الحبشة فى المسجد! على الزوجين أن يقرأ بعضهما بشكل أفضل.. وأن يتبادلا الأدوار ويديرا الطاولة ليعلم كل واحد كيف يفكر الآخر.. وعليهما أن يعلما ماذا يريد الآخر ليقدِّمه له بقلب مُحِب فيتقبَّله الآخر بقبولٍ حسن.. فليس العطاء هو المهم بحد ذاته.. بل لا بد من مراعاة كيفية العطاء وماهية هذا العطاء وهل هو ما يرغبه الطرف الآخر؟! فقد يعطى الزوج الكلمة وتكون الزوجة بحاجة للبسمة أو للنزهة مثلاً.. فلنتفهّم الآخر.. ولنتيقن من لغة الحب التى يريدها.. حتى لا تصادف الإطراءات قلبًا عاشقًا فترتدّ على أعقابها! فطوبى لزوجٍ وعى.. وزوجةٍ رَعَت!