تَفِرّ دمعةٌ من عينها الحُبلى.. لم يعد بالإمكان احتباسها.. أو التظاهر أن كل شىءٍ على ما يرام! دائمةُ الحديث مع نفسها.. وتتقلّب حياتها مذ تزوّجَتْه ما بين بسمةٍ وأوجاع.. كانت تحلم أن تكون كما يحب.. وأن تبقى على ما يحب.. ولكنها انهارت أمام خجلها! قد شغفها زوجها حباً.. وذاب فؤادها جوًا من عشقها له.. تحلم بإسعاده.. وتلفّه بجناحَى روحها كلما غدا أو أقبل! تبتغى حبًا.. وأجرًا! إلا أنّ شبح غمٍّ يعكّر صفوَ هذه المشاعر والأحلام.. فكلما لاح فى أفق حياتهما أمر لا تستسيغه تغصّ وتفور.. وتنفر دموعها غصبًا عنها إذ تكون فى قمّة الألم! رغمًا عنها! فتصيب حممها طرف قلبه المبتلّ بحبها.. فيتألم لألمها.. ويتساءل: ألا يمكن أن نحلّ هذه المشكلة دون كدر يعكّر صفو أيامنا؟! لا يتعدّى الأمر أن تبوحى بما يزعجك لأسعى جاهدًا أن أذلِّل كل ضيق.. وأكون أَقْرَب! تغصّ بريقها قبل أن تبوح بسرّها الصغير: خجلةٌ من الكلام أنا! تتجاذب معه أطراف الحديث.. تحاول جاهدة إخفاء ما يُكنّه صدرُها فتُخفِق! ويَخفق قلبها! هو: كيف كان يومك؟ طمئنينى عنك! هى: الحمد لله أنا بخير. هو: ولكنك لستِ على ما يُرام! هل أنتِ مريضة؟ هى: أعانى من صداع.. لا تهتم.. لا شىء يهم! ثم أطرقت رأسها لتُخفى دموعًا تدحرجتْ من دون إذن! هو: ما الأمر؟ ما الذى يُبكيكِ؟ هل من سوء؟ بالله عليكِ تكلمى! هى: هناك أشياء تجتاح رأسى وتقلب كيانى.. لا أبوح لك بها كى لا أنغّص عليك.. ولكنها تقلبنى رأسًا على عقب! قد تكون حساسيتى مفرطة.. ولكنْ هذه أنا! هو: أخبرينى ما الذى حصل.. إذ كيف سأتمكّن من مساعدتك إن لم أفهم الموضوع؟! هى: أشعر أنك دائم الانشغال عنى.. حتى أنك لا تلحظ أى تجديد فى شكلى أو لباسى أو زينتى! تقرأ لوحدك..لا تشاركنى أفكارك.. وفى بعض الأوقات تُعِد قهوتك وتشربها دون أن تدعوَنى لأجالسك.. أو تسألنى إن كنتُ أحتاج شيئًا.. معنويًا كان أو ماديًا.. وأحيانًا لا تشعر بوجودى! ولا يلفتك كلامى فتقطعه وتتكلم فى أمر آخر كأن ما أنطق به لا يهمك أو لم تسمعه من الأساس! وأمور أُخرى كثيرة تجعل صدرى يضجّ من الأسى! هو: وهل يضرّكِ أن تقولى لى عند كل حادثة ما أهمَّكِ؟ بربّكِ لِم كل هذا الحزن والدموع والموضوع قد ينتهى بلفت نظر فتبرير؟! هى: أكتنز الصمت.. وأخبّئ ما يدور فى خَلَدى لأنى أخجل أن أبوح.. وأشعر بأننى فى دَرْكٍ أسفل من الاهتمام، فلا تهون على نفسى أن أهينها أكثر باستجداء الرعاية منك! هو: وهل تعتبرين البَوْح لزوجك بمكنونات قلبك إهانة؟ وهل أنا مقصِّر فى إظهار اهتمامى بك إلى هذه الدرجة؟! لِمَ تُشعريننى أننى السبب فى حزنكِ وأننى لم أُفلح بمد جسور الفرح والسعادة فى حياتك؟! ألا تعلمين أنّ هذا يؤلمنى ويصيبنى فى مقتل؟! هى: لا تبتئس.. هى مجرد هلوسات سرعان ما أعود إلى رشدى.. وأنسى! فانسَ! غريبٌ ما يحدث بين زوجين تعاهدا على المشاركة فى كل شىء، كيف يستطيع أحدهما أن يخجل من البوح للآخر بكل ما يدور فى خلَده ويكاد يقتله؟! لو درى هذا أو ذاك مدى التأثير السلبى لهذا الكتمان على العلاقة الزوجية لَما استصعب الكلام، ولنَحَر الخجل قربانًا عند مذبح الاستقرار الزوجى.. فكل هذه الأفكار السلبية والتفسيرات الأحادية التى تدور فى رأس الزوجة– هنا- مفعولها كالأعاصير التى تقتلع مع الوقت كل راحة وسكون فى قلبها- وربما عند مفترق للطرق-العلاقة من جذورها.. فحين يطفح الكيل وتمتلئ الخزانات بالغم وتستجير الأكياس المدفونة فى عمق الفؤاد سيحدث بلا أدنى شك انفجار هائل تتزعزع معه أركان البيت.. مهما كانت أساساته ثابتة فى أرض الحب الصلبة! لِم الخجل؟! أوَ يبقى مجال للخجل بين زوجين أفضيا إلى بعضهما البعض والتصقا روحيًا وجسديًا وتعاهدا على المودة والرحمة ما نَبَضَ قلباهما؟! ولِم لا تكون صراحة جميلة مؤدّبة راقية تُرسى قواعد التفاهم والحوار بينهما؟! مَن قال، إن الزوج يجب أن يعرف لوحده!؟ وأنه يجب أن يفهم دون تصريح؟! وأنه يجب أن يستشفّ من المواقف ما تريده الزوجة؟! ليكون فيها كأنه نبى يتنزّل عليه الوحى فيعلم؟! ومَن زعم أن الزوجة يجب أن تُخفى كل ما يجول فى خَلَدها حتى لا تكدّر صفو الحياة الزوجية.. أو تزعج الزوج بهلوساتها؟! وأنَّ عليها أن تكون دائمًا الملاك الباسِم لتُريح زوجها فيستمر فى العطاء؟! إنّ على الزوجين أن يتفهّما ويَعذُرا بعضهما.. وأن يتفاهما ويتحاورا ويتصارحا ليدخل كل واحد منهما عالم الآخر؛ خاصة فى بداية حياتهما الزوجية.. ثم يناقشا كل موقف أو فكرة تسيطر على تفكيرهما ويشعرا أنها قد تهزّ صرح بنيانهما.. وألاّ ينتظرا حتى تصل الحوادث إلى الذروة فتكون ثورة الخاسر فيها الطرفان! وقد يكون الموقف الذى يصدر عن طرف– دون انتباه أو وعى- فيؤذى الطرف الآخر، سهل التحكم به ومعالجته بحوار قصير والتعليق عليه.. فلِم تضخيم أمر يمكن أن يُدفن للتوّ؟! خاصة أن كان هذا الطرف متعاونًا ويهتم؟! إنها حياة مشتركة تحتاج للفطنة والحكمة والإصرار على إنجاحها.. وعدم السماح لسفاسف الأمور أو عظائمها أن تحرمهما لذة السعادة الزوجية والاستقرار العائلى. فيا أيها الزوج.. تفهّم زوجتك وأقبِل عليها.. ويا أيتها الزوجة.. دعى الخجل وافتحى قلبك وأَسِرّى إلى زوجك ما يجتاحك بذوق.. قبل أن يجتاحك الأسى ويخنقكِ الألم!