احتاج محمد مرسى 24 يوما منذ تم تنصيبه رسميا رئيسا للبلاد حتى يعلن اسم رئيس الوزراء، وكان هشام قنديل مفاجأته فى شهر رمضان. الآن كم يحتاج قنديل هو الآخر من الوقت حتى يعلن أسماء أعضاء حكومته، فقد مرت لحظة كتابة هذه السطور عصر "الأحد" 6 أيام، وكان مفترضا فى هذا اليوم إعلان التشكيل النهائى بعد تأجيل عدة مرات، لكن حدث تأجيل جديد إلى الخميس المقبل 2 أغسطس، ولو صدق فى موعده فإن تشكيل حكومته سيكون قد استغرق 10 أيام، وهو وقت طويل فى مرحلة حساسة ودقيقة كل يوم فيها له ثمن. هناك بطء شديد فى الحركة سواء من الرئيس أو من رئيس وزرائه المكلف، فهل ذلك من تأثير حرارة الصيف المرتفعة، أم من تأثير الصيام الذى داهمهما، أم هو ارتباك وعدم وضوح رؤية، أم هناك صراعات فى مؤسسة الحكم التى هى واقعيا ليست الرئاسة فقط بل المجلس العسكرى والأجهزة السيادية فى الدولة؟ مسألة محيرة فعلا، إذ أن البلاد تمر بظروف غير طبيعية، فالأوضاع ليست مستقرة، وأحوال الناس ليست على ما يرام حتى يأخذ الرئيس وتابعه راحتيهما فى تشكيل حكومة وطنية وإعلان الفريق الرئاسى بمواصفات خاصة وهى الوعود التى قطعها مرسى بنفسه على نفسه ولم يجبره أحد عليها. مصر ليست بلجيكا حتى يتعثر إنجاز الحكومة فيها أكثر من 6 أشهر بينما دولاب العمل يسير بشكل طبيعى، والحياة مستمرة، وعجلة الإنتاج لا تتوقف، والأمن مستتب، والدنيا "وردى". هل الرئيس مكبل ومحاصر وغير قادر على اتخاذ القرارات التى يريدها بسبب ضغوط من "العسكرى"، وعدم تعاون القوى والأحزاب معه، وهل هو متأثر بحملات الإعلام ضده، وهل جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة لهما دور فى هذا التكبيل والحصار بفرض شروط ومطالب عليه فى صناعة القرار وفى الاختيار، أم أن المهمة ثقيلة إلى درجة لم يكن يتصورها وهو خارج القصر؟! الحقيقة أن تجربة الشهر الأول لمرسى غير مشجعة بالقدر الكافى لانتشال مصر من أزماتها، وكونه رجلا طيبا ومتسامحا ومتواضعا ولديه خصال إنسانية عديدة جيدة فهذا مما يحمد له، لكن ذلك لن يوفر قمحا وسكرا وزيتا وعلاجا وتعليما وفرص عمل ولن يحل مشاكل المرور والبنزين والقمامة والرغيف والكهرباء والمياه وتلال أخرى من الأزمات الآنية التى ينوء عشرة مثل مرسى وقنديل عن حملها، إضافة إلى تفرغ العاملين فى جهاز الدولة وقطاع الأعمال والقطاع العام للاعتصام والإضراب وقطع الطرق وممارسة كل أشكال الضغوط والاستفزاز والانتهازية لنيل مطالبهم حتى لو كانت مجحفة رغم أنهم لا يقومون بعمل منتج، بل هم لا يعملون أصلا. بجانب البطء، هناك عدم شفافية من جانب الرئاسة فهى لم تقل طوال 24 يوما لماذا يتأخر تكليف شخص ما برئاسة الحكومة، ولا من هى الشخصيات التى عرض عليها المنصب ورفضته أو اشترطت، وما هى مواصفات رئيس الوزراء فى ذهن الرئيس، ولماذا أخيرا تم تكليف هشام قنديل دون غيره، وما هى المواصفات النادرة التى وجدها فيه الرئيس وتناسب المرحلة ويتفوق فيها على ما عداه؟ كذلك لا يخبرنا قنديل، لماذا يتأجل إعلان أسماء حكومته أكثر من مرة، وما هى المعوقات التى تواجهه فى التشكيل، وما هى حدوده فى الاختيار، وهل هو مجرد واجهة، أم هو رئيس حكومة حقيقى بصلاحيات فعلية؟ واضح أن هناك خلافات عميقة تمنع سرعة إعلان التشكيل، وأن هناك من يرفضون حمل الحقائب الوزارية خشية أن يحترقوا فى تلك المرحلة الغامضة والتى لا تتوفر فيها ظروف النجاح ولا مقوماته، أو لا يريدون التعاون مع رئيس من الإخوان ورئيس حكومة له خلفية إسلامية، وإلا ما تفسير أن يعتذر منير فخرى عبد النور عن إعادة تكليفه بحقيبة السياحة، كما يرفض حزب الوفد المشاركة. ثم ما هو دور "العسكرى" فى كل تلك القصة، هل هو يترك الأمر برمته للرئيس، أم هو شريكه فى اختيار رئيس الوزراء والوزراء؟ وما حقيقة ما يقال عن احتكاره للوزارات السيادية؟ وأبرزها بالطبع الدفاع التى يدور حولها لغط كبير؟ إنها أجواء من الضبابية لا تتناسب مع ما يجب أن تكون عليه مصر بعد زوال حكم الفرد، فهى نفسها أجواء تشكيل الحكومات خلال العهد الزائل، لكن على الأقل كان يتم حسم الاختيارات سريعا وليس فى عشرة أيام وربما أكثر. الحقيقة أن مرسى ينتقل من مأزق لآخر، وهو الذى يفعل ذلك فى نفسه، فهو دائم الإطراء على المجلس العسكرى وعلى وزارة الداخلية وعلى أجهزة الأمن ما يعنى أن الكل متعاون معه، وأنه مطمئن، إلا إذا كان يستميلهم إلى جانبه لإثبات حسن نواياه تجاههم حتى يفسد أى ذرائع للعب ضده، كما أنه دائم الحديث عن الحب والمحبة والأهل والعشيرة، لكن هذا لا يكفى لإدارة دولة كبيرة تعيش أزمات معقدة مثل مصر، إنه لا يبدو رئيسا حازما حاسما مقداما قويا من غير انتهاك للقانون، وهو بذلك يضع نفسه فى منطقة رمادية ضبابية، حيث لا نفهم ماذا يعمل، ولا ماذا يريد، ولا إلى أين يأخذنا؟ [email protected]