فى تراث خفة الدم المصرية الشهيرة نكتة تقول إن أحدهم "صبح" على الآخر، فاعتبر الثانى أن "التصبيحة" فيها استخفاف به واحتقار، لكن الأول راح يشرح له بكل إخلاص أنه لم يفكر أبدًا فى غير أن يلقى عليه تحية الصباح بكل احترام وود، وكان مقنعًا جدًا واستوعب الثانى الأمر بوضوح، لكنه قال له فى النهاية: ها صدقك، لكن من باب الاحتياط أنت قليل الأدب، تذكرت هذه النكتة وأنا أتابع ردود فعل قطاعات واسعة من "النخبة" السياسية المصرية على قرار الدكتور محمد مرسى، بتكليف الدكتور هشام قنديل، برئاسة الحكومة الجديدة، كثير مما كتب فى الصحف المصرية والمواقع المختلفة وفى الفضائيات كان أشبه بالنكتة المذكورة أعلاه، لم يطعن أحدهم بأى شىء على "قنديل"، ولم يجد أحدهم أى مثلب أو اعتراض علمى أو منطقى على الرجل، وتجد أحدهم يؤكد فى ثنايا كلامه أنه يتمنى له التوفيق وأنه لا يعترض عليه كشخص أو سيرة، ولكن فى نهاية تعليق "الخبير" تجده يعلن من باب الاحتياط اعتراضه على اختياره رئيسًا للوزارة، كأن أحدهم يخشى أن يعاتبه أحد بعد ذلك ويؤنبه بأنه لم يعترض عندما تم اختيار الرجل، فهو يسجل اعتراضه عليه كحفظ حق إذا احتاج إلى الهجوم عليه مستقبلا، والعجيب أن المقارنة بين ردود فعل الدوائر العالمية والصحافة الأجنبية من جانب والنخبة المصرية وصحفها وفضائياتها من جانب آخر، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك فى بلادنا من أصبح "يحترف" الرفض والاعتراض واصطناع الغضب، لغير وجه الله أو الوطن أو العقل ذاته، حتى أن رفعت السعيد، الذى كان الصديق عبد الحليم قنديل، يصفه بوصف رائع "الذراع السياسى للأمن المركزى" من فرط ولائه لنظام مبارك الأمنى، رفعت السعيد الذى يقبع كل أصدقائه تقريبًا الآن فى السجن بتهمة الفساد واللصوصية: زكريا عزمى وحبيب العادلى وصفوت الشريف، رفعت أعلن أنه لا يعجبه هشام قنديل، هو عنده أسوأ من هؤلاء "الرموز"، بدون إبداء أى أسباب، هى كده، ربما الحساسية الزائدة لدى رفعت السعيد من "الملتحين" دفعته لذلك، وأنا على يقين من أن "لحية"، رئيس الوزراء الجديد أزعجت سياسيين كثراً، وبعضهم تندر: لحيتين فى رأس الدولة توجع، وهؤلاء قد تزداد صدمتهم إذا تم اختيار عدد من الوزراء الملتحين سواء من الحرية والعدالة أو النور، وهناك جهود وتحليلات مشكورة تبذل الآن لتحليل الجذور العقائدية والأيديولوجية للحية المستشار حسام الغريانى، وربما أكدت المصادر الموثوقة أنها تثبتت من أنه تم ضبطه يصلى، وأن هناك شريط فيديو يثبت أنه يذهب أحيانًا إلى المساجد، أى أنه متدين، وتلك "نقيصة" لدى النخبة السياسية فى الوزير الجديد، الصحافة الغربية ركزت على إيجابيات اختيار هشام قنديل، دراسته العلمية فى جامعات عالمية محترمة، وخبراته فى مجال قطاع المياه والرى الذى يمثل أحد مهددات الأمن القومى المصرى وحداثة سنه وروحه الشابة، التى تواكب اتجاهات التغيير فى العالم اليوم واستقلاله السياسى، بينما "النخبة" المصرية مشغولة بلحيته، أضف إلى ذلك أن كثيرًا من "المشتاقين" فى الظل أو العلن صدموا من الاختيار الذى ينذر بتهميشهم بعد طول صخب وتسريبات "ملعوبة" للفضائيات والصحف عن أن "أحدًا لم يفاتحهم فى الوزارة أو رئاسة الوزارة"، على بركة الله تبدأ الحكومة الجديدة، والعبرة ليست بالاسم والتاريخ، وإنما بحجم الإنجاز والنجاح والعطاء والإضافة، أو كما يقول الشاعر العربى الحكيم: ليس الفتى من قال كان أبى.. لكنه من قال ها أنا ذا. [email protected]