ندافع عن الأزهر لاعن موظفيه، ندافع عن الأزهر الرمز والتاريخ والمستقبل، أما الموظفون فمنهم الصالح والطالح. منهم من يخشى ربه ويدرك جيدا مهمة الأزهر في مواجهة العواصف والأعاصير التي يشنها خصوم الإسلام وعملاء الغرب، ومنهم من يساير وينافق، ويؤيد الاستبداد والقمع والقتل ومصادرة الحريات والأموال. ليس كل المعمّمين سواء! كانت العاصفة القوية الشرسة التي ضربت أعمدة الأزهر في عام 1961م حين صدر قرار تطوير الأزهر رقم 103، وترتبت عليها آثار عديدة. منها تقريب التعليم الأزهري إلى التعليم العام، وحَمَل الطالبُ علوم الأزهر، وعلوم التعليم العام جميعا، فخرّ على الأرض لثقل ما يحمله، وبدأ الطلاب يهربون من الأزهر، فلم تعد لهم طاقة بعلومه وتعليمه. ولم يعودوا قادرين على استيعاب العلوم الشرعية والعربية، ولا قادرين على فهم علوم المدرسة العامة. كان هناك ندرة ممن استطاعوا خوض هذه المهلكة، وواصلوا (منهم شيخ الأزهر الحالي- دفعتي 57-1958م!)، المعاهد الأزهرية أوصدت أبوابها أو كادت لقلة من يرغبون التعليم في الأزهر، لدرجة اضطرت شيخ الأزهر الراحل عبد الحليم محمود- رحمه الله- بمشورة الشيخ عبد المنعم النمر، أن يفتح باب الالتحاق لخريجي الإعدادية من طلاب المدارس الفاشلين = الناجحين بمجموع 50% (130 درجة)= فالأزهر يومئذ صار هَرَما مقلوبا قاعدته إلى أعلى (الكليات) ورأسه إلى أسفل (معاهد التعليم الأساسي). تواضع مستوى الخريجين في الكليات النظرية والعملية، وصار مستوى الخطباء والوعاظ والمدرسين لا يسر، عليك فقط أن تستمع إلى خطيب الجمعة في أحد المساجد، فلا فكر ولا لغة ولا أسلوب ولا تأثير! هل يمكن أن يكون هناك أزهر بغير قرآن؟ حاول بعض القوم تخفيف الحمولة عن طلاب الأزهر، فقلصوا المواد الشرعية والعربية، مع بقاء مواد التعليم العام كما هي، ولم تكن النتائج مبشرة. صار الاستيعاب أو الدرس مرهونا بمبادرات فردية وجهود الدروس الخصوصية، ولكن الطابع العام ظل كما هو.. لم يهمد خصوم الإسلام والعرب عن الحفر في أعماق الأزهر، ليسقط على رءوس من فيه، فاتهموه بالإرهاب والتطرف، وانطلقت أبواق السوء من كل حدب وصوب تتهم مناهجه وكتبه، وتطلب حذف موضوعات الجهاد وبعض العبادات والمعاملات لأنها تقض مضاجع الصليبيين والوثنيين وأشباههم في الخارج والداخل. ركام الفشل الذي صنعه الاستبداد علقوه في رقبة الأزهر الذي ظل ألف عام يقدم للدنيا أعلاما وروادا في كثير من المجالات الأدبية والفكرية والفنية والثقافية، ثم أهم هذه المجالات وهو مقاومة الاحتلال والاستبداد، ويذكر التاريخ أن نابليون السفاح كان أول من اقتحم الأزهر بخيوله في أثناء حملته الدموية الوحشية أواخر القرن الثامن عشر، وكان خصوم الإسلام والحرية يظنون أن تطوير الأزهر بالقانون 103 لسنة 1961م سيحوله إلى مقبرة ساكنة لا تسمع فيها صوتا ولا ركزا، ولكن خاب سعي العشاق! في مؤتمره الصحفي الذي عقده وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في 16/4/2018م، ونشرته الأهرام في اليوم التالي؛ أعلن معاليه عن بحث ضم التعليم العام مع الأزهري.. وتحويل المواد الدينية إلى مواد اختيارية(!!). برح الخفاء. وصارت النية المبيتة علنية، فلا أزهر بعد الآن، ومن يحب الدراسة الدينية عليه أن يختار بعض المواد التي تمت بصلة إلى الإسلام، ربما تؤهله لكليات الشريعة أو اللغة العربية أو أصول الدين، فالأولوية اليوم للتابلت الذي يبشر به الوزير في مجتمع المدارس الأمي الذي لا يعرف طلابه الإملاء والقراءة(!) مذ دمره التنظيم الطليعي أو تنظيم البصاصين قبل عقود، وحرّموا تدريس التربية الدينية بالمعنى الحقيقي، وجعلوها مادة للديكور، لا يعرف الطالب عنها شيئا، لأنها ببساطة لا تضاف إلى المجموع، ولا تعنيه في شيء، وينجح فيها تلقائيا. يبشرنا سيادة الوزير، أنه سيتم الإبقاء على شعب العلمي والأدبي في النظام القائم كما هي، ولكن في النظام الجديد الذي يخطط له سوف يختلف الأمر بعد 12 عاما. ثم أنبأنا أن المدارس الدولية ليس لها علاقة بنظام التعليم الجديد(؟). أي إنها ستبقى خارج بيت الطاعة، وأن الشعب المصري سيحقق العولمة من خلال التعليم حيث سيدرس أبناؤه ثقافات العالم المختلفة إلا الثقافة الإسلامية أو الثقافة العربية، وأن التنوير مع ضم الأزهر إلى التعليم (بتاع) التابلت، سيحقق تقدما غير مسبوق في محو أمية الملايين من التلاميذ، وسيمنع الغش في الامتحانات! يا حسرة على وطني الضائع بين التطوير المزاجي، والتنوير الدولي! والسؤال هو: ما الذي يدفع الوزير أن يكشف في اجتماع لجنة التعليم بمجلس النواب عن ضم التعليم العام مع التعليم الأزهري، على أن تكون المواد الدينية اختيارية شأنها في ذلك شأن مواد الاقتصاد.؟ هل استشار أحدا من المسئولين في الأزهر؟ هل قال له الأزهريون إننا تعبنا في حل مشكلات التعليم الأزهري، فتولنا بالمساعدة، وخذ أبناءنا إلى مدارس الوزارة لنغلق الأزهر ونستريح؟ ثم ما معنى أن يؤكد سيادته على أن النظام التعليمي الجديد مصري 100% وأن مصفوفة المناهج مصرية وتم الاستفادة فيها من المناهج الفنلندية واليابانية؟ هل هناك ما يخفيه الوزير ويخشي التصريح به فيؤكد على مصرية التعليم ومناهجه؟ ثم ما معنى تدخل البنك الدولي في الموضوع بقرض يبلغ 500 مليون دولار، يصل إلى مليار دولار والتكلفة الإجمالية ستصل إلى ملياري دولار؟ ولماذا لا يكون التابلت مصريا وبأيدٍ مصرية؟ وقبل ذلك كله لم لا نعلم أطفالنا القراءة والكتابة كي يمكنهم استخدام الكتاب والتابلت فيما بعد؟ ألا تعلمون أن خريجي الكليات النظرية والعملية في مصر لا يحسنون القراءة ولا الكتابة، حتى في أقسام اللغة العربية وكلياتها؟ ليت المسئولين ينطلقون من واقع يعرفونه، ولا يُملى عليهم التعامل معه، فهم لا يفقهون من أمره شيئا. التعليم في مصر منهار لأنه مُدَمّرٌ من نصف قرن أو يزيد، وتم تدمير الأزهر بالأيدي غير المتوضئة، ويريدون الآن الإجهاز عليه. لا أعرف رد فعل المعنيين في الأزهر، ولا أظن أن ما يسمى لجنة التعليم في المجلس المفترض أنه ينوب عن الشعب ستتخذ موقفا ينسجم مع مصلحة البلاد، ولا أدري هل يتاح لأصحاب الضمير الحر أن يدافعوا عن الأزهر وتاريخه ومستقبله في مواجهة العواصف والأعاصير التي تهب من قبل صبيان الغرب ، ولا أعلم هل يتمكن الأزهر من استعادة رايته المقدسة وهي الحفاظ على القرآن الكريم أو يستسلم لأعاصير الخراب؟؟ الله وحده أعلم!