الدكتور محمد حبيب.. الرجل الأول فى جماعة الإخوان المسلمين، الذى كان يدير الجماعة حتى عهد قريب قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير. وهو واحد من أكبر الشاهدين على الحركة الإسلامية لمدة جاوزت الخمسة وأربعين عامًا كاملة قضاها فى قيادة جماعة الإخوان أكبر جماعة إسلامية فى العالم الإسلامى. تصاعد خلاف حبيب مع مكتب إرشاد الجماعة خاصة بعدما تردد عن تنامى الصراع بين من يطلقون عليهم القطبيين وبين الإصلاحيين خاصة بعد خروج الزعفرانى وأبو الفتوح وحبيب من مكتب الإرشاد والمحاولات لعدم تصعيد العريان وهيمنة القطبيين على المكتب ورغبة غالبيتهم فى عدم تعديل اللائحة التى يطالب بتغييرها كثير من الإصلاحيين. ولكنه بعد فترة قرر أن يبتعد لفترة زمنية حتى تهدأ الأوضاع حتى أخذ قراره بالاستقالة من الجماعة قائلا إنه "ترك لهم المسئولية عن الجماعة أمام التاريخ"، مضيفا بأنه قرر أن يتفرغ للكتابة والتنظير الفكرى للحركة الإسلامية ومنهج الإسلام السياسى.. حاورته "المصريون" فى هذه الفترة الحاسمة فى الوضع المصرى والعربى خاصة بعد انتخاب الدكتور محمد مرسى رئيسًا للجمهورية وتصاعد الخلاف بين الإخوان والمجلس العسكرى. • بداية ماذا ترى عن تأسيس حزب "مصر القوية" الذى أعلن عنه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسى السابق وهل ترى أنه ربما ينافس الحرية والعدالة؟ - أولاً لابد من تقرير حقيقة وهى أن مصر أكبر من أى حزب وأنها تحتاج إلى التنوع، خاصة إن كانت الاختلافات اختلافات تنوع لا اختلافات تنابذ، فيسعنا جميعًا الاختلاف حول الفكرة الإسلامية، وعن حزب "مصر القوية" فأنا أبارك فكرة تأسيسه وأرى أنها ستضفى للفكرة الإسلامية الكثير والكثير من الثراء الذى تحتاجه الفكرة الإسلامية، كما أتوقع أن ينضم كل الذين تركوا جماعة الإخوان فلديهم خبرات تنظيمية قوية اكتسبوها داخل جماعة الإخوان وسوف يزيدون من قوة الحزب. • إذًا ما الجديد الذى سوف يقدمه الحزب عن فكر جماعة الإخوان وهل ستكون أنت المنظر الأول له؟ - ليس شرطًا أن يختلف الحزب مع فكر جماعة الإخوان وليس شرطًا أن يأتى بالجديد فى الجانب الفكرى ولكن ربما يكون إضافة قوية على الساحة السياسية وربما يستطيع أن ينحاز إلى بعض القضايا التى يهملها الحرية والعدالة فمثلا من الممكن أن نهتم بجانب الانحياز إلى الفقراء من الشعب بدلا من أن نتركها لليسار المصرى وحده يعمل بها فلا يكون الجانب السياسى هو الطاغى على مشروعات الحزب مثل الحرية والعدالة هذا مجرد مثال، كما أن هناك قطاعات من المجتمع ترى تحفظًا من التعامل مع الإخوان فلنعتبر أن هذا استصلاح فى أرض جديدة، أما عن دورى فى الحزب فأنا غير متفرغ الآن لأعمال الأحزاب ولا للعمل السياسى لأنى منشغل الآن بكتابة عمل فكرى عن ملامح الحركة الإستراتيجية للسياسة الإسلامية بعد الربيع العربى ونظرة فى أهدافها. * هل ترى أن الوضع التركى من الممكن أن يحدث مرة ثانية فى مصر فيتغلب المنشقون عن الإخوان على الجماعة الأم؟ - لماذا لا من الممكن بالفعل أن يحدث وإن كان الوضع فى مصر مختلفًا بعض الشىء ولكن من الممكن أن يحدث فعلا، كما أن حزب أبو الفتوح الناشئ يحتاج فترة طويلة حتى يستطيع المنافسة ضد الحرية والعدالة وحتى يثبت وجوده الفعلى فكما يقول العرب إن أول الغيث قطرة. * ولماذا لم توحدوا الجهود وتقومون بعمل جماعة ضغط داخل الجماعة لتصلحوا ما ترونه خطأً من الداخل؟ - أنا قررت أن أترك لقيادات الجماعة المسئولية التاريخية أمام الله عن الجماعة وقياداتها فإن أحسنوا وأدعو لهم بذلك فلهم الخير كله وإن أساءوا ولا أتمنى ذلك فسوف يتحملون نتيجة ذلك أمام الله والتاريخ. وحتى لا نبنى لصراعات قوية داخل الجماعة مما قد يؤدى إلى تمزيق الجماعة نتيجة للخلافات الكثيرة فقررت أن أنسحب وأترك لهم قيادة الجماعة. * ولكن هل تظن أن المنشقين عن الجماعة أثروا على قرارات مجلس الشورى العام بالترشح للرئاسة، نظرًا لدفعهم بأبو الفتوح للترشح للرئاسة؟ - أنا منذ وقت بعيد بعد قيام الثورة كنت مؤيدًا لقرار الجماعة بعدم الترشح للرئاسة نظرًا لطبيعة الوضع العام فى البلد، ولأن هناك تخوفات من قبل البعض ضد الإخوان، فكنت أرى أن تأخذ الجماعة المرحلة بالتدريج، وأيدت قرار مجلس الشورى العام يوم العاشر من فبراير بعدم الترشح للرئاسة قبل تنحى المخلوع بيوم واحد. وكذلك رفضت ترشح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح للرئاسة لأنه مهما قال بأنه مستقل عن الإخوان فهو محسوب عليهم، ولكن حينما قامت الجماعة بفصله بهذه الطريقة التى لم تتناسب مع قيمته وتاريخه، آثرت أن أؤيده حتى لا يذبح مرتين المرة الأولى بسبب فصل الجماعة له، والمرة الثانية بعدم تأييد أقرب المقربين له. * هل ترى أن الجماعة أساءت لكم ولمكانتكم حينما قامت بفصل الكثير منكم؟ - لم يكن من الإنصاف التعامل مع أفراد قضوا زهرة عمرهم فى خدمة هذه الجماعة فلم يكن من الإنصاف أن يقوموا بفصل المخالفين فى الآراء بل كانوا يكتفون بتجميد عضوية البعض، فتعاملهم مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لم يكن جيدًا حيث قاموا بفصله من الجماعة على الرغم من أنه قال لهم إنه سوف يترشح مستقلاً وليس تابعًا للجماعة، فكان من الأفضل أن يقوموا بتجميد عضويته فقط دون فصله حتى يكون مراعاة لمكانته التاريخية فمنا من ظل داخل الجماعة لمدة 45 عامًا كاملة يقضيها فى خدمة الجماعة. وماذا ترى بالنسبة للخلاف فيما بين المجلس العسكرى والرئيس محمد مرسى؟ الصراع فى أوجه حاليًا وكل منهم قد وضع يده فى فم الآخر ويضغط، فمن يتحمل ويملك منهم النفس الأطول هو المنتصر كما أن أسلحة الرئيس أكثر من أسلحة المجلس العسكرى، كما أن معه الضغط الشعبى وهذا وحده يكفى والمنتظر من الرئيس أن يكثر من القرارات الثورية ذات الطابع السياسى حتى يسيطر على المجلس العسكرى ويستطيع أن يحتويه. هل تتوقع أن ينجح الدكتور مرسى فى تشكيل حكومة ائتلافية قوية ومَن تتوقع أن يحصل على منصب رئيس الوزراء؟ ليس من الصعب تشكيل حكومة وهذا ليس تحديًا قويًا أمام الرئيس، بل هناك تحديات أكبر من تشكيل الحكومة بكثير وننتظر أن يعلن عن التشكيل قريبًا ولكن عن شخص رئيس الوزراء فأنا لا أعرف المرشحين الحقيقيين للمنصب ولكن أتمنى أن يكون شخصية شبابية فأنا دائمًا منحاز للشباب، كما لابد أن يكون قادرًا على الإدارة وأن يكون سبق وأدار مؤسسة ونجح فيها، وأتمنى أن يتم اختيار شخصية بعيدة عن الانتماءات الحزبية. وبالنسبة لمسار الربيع العربى ماذا تتوقع لمستقبله وما هى آليات انتصاره والحفاظ على الزخم الشعبى؟ - أولا، أنا أرى أنه فى نجاح الثورة المصرية بتولى رئيس من الثورة لسُدة الحكم وانتزاعه كل صلاحياته من العسكر المهيمنين على الحكم سيكون له آثار كبيرة على العالم كله وليس العرب فقط. نعم كانت ثورة تونس ملهمة للمصريين ولكن حجم مصر ودورها له انعكاسات على الثورات وكل بلد له ظروفه وتحدياته المختلفة. وكلما توحدت الشعوب على مطالب موحدة كلما زادت فرصهم فى النجاح والتفوق والانتصار على الطغاة، كما أنه إذا خرجت الشعوب وانفجر الوضع فلن يستطيع أحد أن يصده أو أن ينتصر عليهم أيًا كانت قوته وطغيانه، وفى مصر وتونس وليبيا عبرة للمعتبرين. * وهل تظن أن الأنظمة العربية سوف تستسلم بهذه السهولة؟ الأنظمة العربية الحاكمة حريصة على قتل الثورات ووأدها ولكنها لن تستطيع ذلك طالما امتلكت الشعوب إرادة قوية فالرهان كله على الشعوب وحجم تضحياتها وتحدياتها وإرادتها، لذلك فإن هناك بعض الأنظمة العربية تحاول قتل الثورة المصرية وتحاربها بضراوة شديدة، ولن يستطيعوا فعل ذلك لأن الشباب هم الوقود الحى لأى حركة فى التاريخ. * ولكن هل الشباب العربى قادر على القيادة فى هذه الفترة وهل هو مؤهل لذلك؟ - من قال بأن الشباب العربى غير قادر على القيادة، فهم شباب جاهزون بالفعل للقيادة ولكن لو أعطينا لهم الفرصة المناسبة لخلق الكوادر الجاهزة لتولى أية ملفات، كما أنهم قادرون على إحداث التغيير وتجديد الوضع وخير شاهد على ذلك هى ثورات الربيع العربى فقد ضربت لنا خير مثال للتضحيات الشبابية وبراعة هذا الجيل الناضج. * لكن من المؤكد أنهم يحتاجون إلى التدريب واكتساب المهارات المختلفة؟ - بالطبع هذا صحيح، فالقائد لا يولد قائدًا ولكن يأتى ذلك بالتدريب والاختبار والممارسة الحقيقية وإتاحة الفرص لهذا الجيل أن ينطلق لقيادة أمته. * هل من الممكن احتواء الثورات العربية كما حدث فى ثورة اليمن وكذلك الوضع فى سوريا؟ - لا أظن ذلك، فالوضع فى سوريا هو مجازر بكل معانى الكلمة وسوف ينتصر الشعب فى النهاية فكل تلك الفترة لم يستسلم الشعب السورى وهذا دليل على قوته الباسلة، كما هو دليل فى نفس الوقت على ضعف هذا السفاح بشار الأسد، أما فكرة احتواء الثورات فهى فكرة أعتقد أنها سوف تثبت فشلها لأن الشعوب تتعلم من بعضها وتغير أيضًا من بعضها البعض فالثورات ستنتقل عاجلاً أو آجلاً والشعوب لن ترضى بديلاً عن الحرية لأوطانها، فلن يستطيع أحد أن يحتوى ثورة كيف لأحد أن يحتوى غضب الشعوب. * لماذا يتداول البعض الآن جملة عدم تصدير الثورة؟ - هذا كلام سياسى فهناك حساسيات عند الملوك والرؤساء العرب، كما أن هناك علاقات دبلوماسية بدول قامت فيها الثورات ودول لم تقم فيها الثورات فالحل إذن أن ترسل تطمينات لهذه الدول، كما أن الثورات لا تقوم بالشكل الرسمى لأن الدول تتعلم من بعضها البعض وربما تتغير الأنظمة بالشكل السلمى دون خروج تظاهرات بسبب التخوفات التى تحيط بالرؤساء والملوك فمن الممكن أن يتغير الوضع العربى من دون قيام الثورات فى عدة بلاد وهذا بالفعل شىء أفضل حتى لا تسقط المزيد من الدماء. * كيف نستغل الثورات فى التوصل إلى النهضة العلمية والتقدم الحضارى؟ - الثورة فى الأساس قامت من أجل حياة أفضل للشعوب وهناك ثورات قامت وتم تغيير الأنظمة بالفعل ولكنها لم تتقدم فى مصاف الدول التى تقدمت، لذلك لابد للثورة أن تقدم مشروعًا حضاريًا وتكنولوجيًا وتنمويًا حتى لا يقتصر الأمر على مجرد تغيير أفراد كانت لهم سوءات ذهبت الأفراد وبقت السوءات.