عقب الحكم المتوقع صدوره يوم الثلاثاء المقبل ببطلان تشكيل التأسيسية (بعد تقديم المحكمة لموعد الجلسة فى سابقة نادرة الحدوث) نكون قد عدنا إلى نقطة الصفر مجددًا، وهى النقطة المحببة لعسكر بلادنا الذين يستكثرون علينا الفرحة فبعد وصلات المن والأذى وبيان فضلهم على هذا الشعب بانتخابات هى الأشد نزاهة فى تاريخ مصر المعاصر سواء فى الشعب أو الشورى نفاجأ بأن منحة اليد اليمنى تسلب باليد اليسرى بالتعاون مع نخب سياسية فاسدة منتهية الصلاحية رضت لنفسها أن تكون مطية للعسكر وبالاشتراك مع فصيل قضائى أثبت أنه يأتى على رأس الثورة المضادة بامتياز، فتم حل مجلس الشعب وفى الطريق مجلس الشورى وبعد أيام قليلة الجمعية التأسيسية للدستور، ولعل منصب الرئاسة هو المحطة التالية وبالتالى نعود إلى نقطة الصفر التى باتت تألفنا ونألفها من شدة تسمرنا فيها. الحلم الديمقراطى الذى دفع فيه شباب مصر زهرة أعمارهم لا يقوى على الصمود أمام استحكامات العسكر وخطط الخداع الإستراتيجية التى لاعبونا بها على مدار أكثر من عام ونصف، فما من بناء ديمقراطى يقام إلا ويتم نسفه بعدها بأسابيع قليلة عبر منصات القضاء المتجاوزة لكل الأعراف والتقاليد والثوابت القانونية التى نعرفها ونحفظها رغم عدم تخصصنا فى القانون. وهذه "البهدلة" التى تحدث للثورة المصرية نتيجة طبيعية للخطأ الأكبر والإستراتيجى الذى ارتكبته عندما عدلت عن مسارها الثورى إلى مسارات سياسية وقانونية ولم تفطن إلى قانون الثورات وهو أنك إذا أردت القضاء على أى ثورة أو وأدها فما عليك إلا أن تدخلها فى لعبة الانتخابات والسياسية على وفق "الكتالوج" الذى وضعه الطاغية وزمرته وهذا ما حدث فى رومانيا من ذى قبل وجاءت الانتخابات ب"إيليسكو" نائب تشاوشيسكو، وما فعله بعد ذلك معروف ومعلوم وحدث فى الثورة البرتقالية فى أوكرانيا وكان مرشحًا للحدوث فى مصر ولولا يقظة الشعب المصرى والتواجد القوى والفعال للتيار الإسلامى فى عمق المجتمع المصرى لرأينا فلول الحزب الوطنى يملأون جنبات مجلس شعب الثورة، ولشاهدنا أحمد شفيق ولربما عمر سليمان يتسلم مقاليد الحكم فى المنطقة المركزية بدلاً من الدكتور مرسى.. وهذا السيناريو كان العسكر وحواريهم يراهنون عليه خاصة فى أماكن العشائر والقبليات فى صعيد مصر، ولكن فشل بامتياز لذا كان التحول إلى الحل "التركى" عبر هدم كل المؤسسات المنتخبة بقرارات ولا أقول أحكامًا من قضاة "مبارك" الذين أصر العسكر على بقائهم ورفض رفضًا تامًا عدم المساس بهم ولعل المشهد الحالى يفسر لنا كيف قبل العسكر أن يتخلوا عن مبارك تحت الضغط الشعبى ورفضوا بإصرار المساس بأركان النظام القضائى رغم مطالبات المليونيات المتكررة. العودة إلى نقطة الصفر قد لا تكون شرًا محضًا بل لعله قدر الله النافذ الذى يراد منه تصحيح مسار واحدة من أعظم ثورات الشعوب على مستوى العالم بدلاً من إنهاكها فى مسارات قانونية ودستورية فاسدة لا تليق بها ولا تحتملها مصر ذات الأعباء التاريخية والإقليمية الضخمة وقد كتبت قبل ذلك، مطالبًا أول رئيس منتخب انتخابًا ديمقراطيًا فى تاريخ المصريين أن يكون قائدًا للثورة التى عانت طويلاً من غياب القائد وأن يعلم أنه نهايته ستكون قريبة إذا رضخ لعسكر مبارك وقضاء مبارك وقوانين مبارك ونخب ومثقفى وساسة مبارك وألا يكرر خطأ مجلس الشعب القاتل عندما ترك الميدان وظن أنه أمام بيئة صحية ستسمح له بمزاولة مهامه الرقابية والتشريعية فتم دهسه ببيادات العسكر وقضاة الدستورية. فعلى الرئيس أن يعلم أن وراءه شارعًا ثائرًا لن يهدأ إلا بتحقيق حلمه وحلم شهدائه فليتخذ من القرارات الثورية ما هو كفيل بوضع مصر على المسار الديمقراطى السليم قبل أن ندهس ببيادات العسكر وأحكام قضاة مبارك. [email protected]