في مصر تتغير الحكومة كلها، وتأتي حكومة جديدة، فلا تعرف لماذا ذهب هذا الفريق، ولماذا حل محله فريق آخر؟. في التفسير البديهي أن التغيير سواء كان شاملاً، أو جزئياً، يعني عدم النجاح في العمل الحكومي، فلا تغيير يتم من أجل التغيير، أو بسبب الملل مثلاً، إنما لا بد أن يكون له مبرر جدي ومقنع، فهل يتطابق المنطق الرسمي مع التفسير الشعبي؟، لا أحد يتكلم، أو يشرح، أو يفسر، أو يعتد بالرأي العام، وما حصل صباح الأحد 14 يناير 2018 من إرسال الرئاسة مظروفاً لرئيس البرلمان وعند فتحه في الجلسة العامة وُجد أنه تعديل محدود يشمل أربع حقائب وزارية، وتمت الموافقة الفورية استكمالاً للشكل الدستوري، هذا الذي حصل، وبشكل مفاجئ تقريباً، حلقة في سلسلة الغموض المعتاد غير البناء. ولذلك تختلط الاجتهادات مع التحليلات بالشائعات فتَصْدق أحياناً، وتشطح في أحيان أخرى، ويحدث الالتباس والبلبلة لدى الجمهور العام، وقد تتشوه سمعة ناس، وتتأثر عوائلهم. مرد ذلك هو بيئة الغموض السياسي، والضباب المعلوماتي، وغياب الشفافية والصراحة، وهذه آفة أنظمة الحكم الفردي مغلقة الأبواب والنوافذ السياسية. وهي بيئة ما قبل ثورة 25 يناير منذ تأسيس الجمهورية عام 1953 حيث ألغيت الأحزاب ومعها مساحة الحرية التي كانت قائمة قبل 23 يوليو وصارت البلاد تُحكم بالتنظيم الواحد، وبالرجل الواحد، وما هي إلا سويعات قليلة بعد يناير من انفتاح كامل للأبواب والنوافذ حتى أُعيد غلقها. في ظل الانفتاح "اليانيرجي" دخل رئيس وزراء " أحمد شفيق" في نقاش حاد مع طبيب وأديب وناشط سياسي "علاء الأسواني" في برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة، وكانت النتيجة إقالة شفيق في اليوم التالي، أو طُلب منه الاستقالة، وكان ذلك مطلباً ثورياً، وطرح شباب الثورة اسم رئيس الحكومة، وتمت الاستجابة "عصام شرف"، وهي المرة الأولى في تاريخ الوزارة في مصر أن يختار مصريون رئيس حكومتهم، وبعد شرف كان هناك مزاج عام يرحب بعودة كمال الجنزوري لرئاسة الحكومة، وتم ذلك بالفعل حتى حل محله هشام قنديل في أول حكومة تتشكل في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي "بقي عاماً واحداً فقط في الحكم"، واختاره بالطريقة التقليدية، وكان اسمه مفاجئاً للجميع، بعد مرسي كان مناخ 30 يونيو 2013 مشتعلاً، وُكوفئت جبهة الإنقاذ لدورها في إطاحة مرسي فشاركت في الحكم عبر شخصية قريبة منها "حازم الببلاوي" رئيساً للحكومة، مع توزير عدد من قادتها من تيار اليسار ووزير يميني، ثم طُويت صفحة اختيار بعض الشخصيات القائم على ترجمة لاستشارة سياسية أو شعبية ولو غير رسمية، وعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل يناير من قيام الرئيس باختيار رئيس الحكومة، إبراهيم محلب، ثم الحالي شريف إسماعيل، ما هي مسوغات هذا الاختيار الفردي، أو الذي يستند على ترجيح الأجهزة لكفة شخص على آخر ليتم اعتماده؟، لا أحد يعلم سوى أنه ضمن الحيثيات أن يكون ملفه الأمني نظيفاً، وحتى ذلك لم يعد مضموناً تماماً فقد أُقيل وزير الزراعة صلاح هلال من المنصب في قضية فساد، وهو في السجن الآن، وأُقيل وزير التموين خالد حنفي في ملفات فساد، وطرد آخرون في تصريحات تفتقد للحس السياسي أثارت غضباً شعبياً، وطردت نائبة محافظ الإسكندرية من المنصب بقضية فساد أيضاً، وهي من كانت تعلن الحرب على الفساد، وتم القبض عليها، والأحد يوم التعديل الوزاري الحالي أُقيل محافظ المنوفية في تهمة فساد، وهناك مسؤولون آخرون تم تصعيدهم أو اختيارهم لمواقع كبيرة بضوء أخضر أمني ثم سقطوا في قضايا فساد ومخالفات القانون. من المعروف عند المتابعين أن تشكيل الحكومات في البلدان الديمقراطية التي تشهد تداولاً سلمياً للسلطة له نهج مختلف عن نهج البلدان غير الديمقراطية، فالاختيار بالأساس يكون من الشعب وذلك عندما يمنح ثقته لحزب معين في الانتخابات للحكم "النظام البرلماني" فهذه رسالة للحزب بضرورة التدقيق في الاختيار لأن كلفة الفشل هو فقدان الثقة في الانتخابات التالية، لذلك عندما يخفق وزير أولا يحقق المستهدف يتم تغييره فوراً وبأسباب معلنة احتراماً للناخبين، مصلحة الوطن وبقاء الحزب في السلطة أهم من أي قائد حزبي مهما كان، بل يتم أحياناً الإطاحة برئيس الحكومة نفسه من المسؤولية إنقاذاً للحزب وصورته، وللحفاظ على البقاء في الحكم والفوز في الانتخابات التالية، حصل ذلك في بريطانيا مع حزب المحافظين "مارجريت تاتشر"، وفي حزب العمال "توني بلير" ومن المحتمل تكراره بين وقت أو آخر مع رئيسة الحكومة الحالية المحافظة "تريزا ماي"، فالحزب متململ منها، وأدائها غير مقنع، وهناك خشية من استفادة العمال من ذلك لتحقيق مزيد من الصعود، والفوز في الانتخابات المقبلة، وتشكيل الحكومة، وقد لا تكمل مستشارة ألمانيا ميركل فترة حكمها الرابعة وتنسحب من منتصفها بعد ضربة الانتخابات الاخيرة التي أضعفتها. وفي الأنظمة الرئاسية يشكل الرئيس حكومته، ولأنه يعلم أن اعادة انتخابه مرهونة بإنجازاته لذلك يكون حريصاً في اختيار وزرائه، والوزراء بدورهم يكونون حريصين على العمل والانجاز لأن السلطة التنفيذية كلها في مركب واحد إذا غرقت في الفشل غرق الجميع وخرجوا منكسرين من الحكم، في أمريكا لا بد أن يعقد مجلس الشيوخ جلسات استماع للوزراء وكبار المسؤولين في الإدارة فيما يشبه امتحاناً عسيراً حتى يمررهم، وفي إيران لا بد أن يوافق مجلس الشورى على أسماء الوزراء، وفي مرات رفض ترشيحات قدمها الرئيس وتم استبدالهم. وفي الحالتين - النظام البرلماني والرئاسي - يكون الرئيس والوزراء وكبار المسؤولين رجال سياسية، ولا يتم الاستعانة بالتكنوقراط لأن الحكم هو شغل الساسة والحزبيين والنشطاء، وهو سعيهم وحقهم لتنفيذ أجندتهم وبرامجهم، وإلا ما قيمة ممارسة العمل السياسي بتكاليفه الضخمة من الوقت والعمل والصحة والكلفة المالية. والحديث لا يزال مفتوحاً. [email protected]