اعتاد ضاحى خلفان، قائد شرطة دبى، على التغريد على تويتر لإعلان مواقف سياسية غاية فى الإثارة والعنف.. منها هجومه المتواصل على الإخوان المسلمين بعد صعودهم ووصولهم للسلطة فى بلدان الربيع العربي.. ومنها أيضًا هجومه على إيران بعد زيارة الرئيس نجاد لجزيرة أبوموسى.. ما يجعلنى لا آخذ كلامه على محمل الجد أبدًا أنه فى واحدة من تغريداته ضد إيران قال: إننا جاهزون للحرب وسنحرق الأخضر واليابس.. كلامه هذا موجه لإيران القوة العسكرية والبشرية الهائلة التى تجعل أمريكا وإسرائيل مشلولتين أمام التعامل معها عسكريًا فى أزمة ملفها النووى، بينما هو سيحرقها، ولا أدرى كيف، وبأى وسيلة؟.. عمومًا شىء مفرح أن قائد شرطة دبى يطمئننا بإمكانية سحق إيران لتحرير الجزر الثلاث المحتلة منذ 41 عامًا وتلقين الإيرانى درسًا لن ينساه لمنعه من استفزاز بلاده وتهديد دول الخليج واعتبار نفسه صاحب الكلمة العليا فى المنطقة. قد نفهم هجوم خلفان على جماعة الإخوان على أنه موقف شخصى هو حر فيه، وحتى هجومه على الإخوانى محمد مرسى، حينما كان مرشحًا رئاسيًا يمكن تمريره، رغم أنه ليس لائقًا ولا مبررًا لأن مرسى مرشح مصرى لرئاسة مصر ولا علاقة لذلك بإمارة دبى، أو دولة الإمارات، لكن هجومه الآن على مرسى بعد أن أصبح أول رئيس مدنى منتخب لمصر يعتبر الخطيئة الكبرى التى أوقع خلفان نفسه فيها، وعليه تحمل الهجوم المضاد من الشعب المصرى دفاعًا عن رئيسه، هذا بخلاف المسار الرسمى وتداعياته الذى بدأته الخارجية المصرية مع السلطات الإماراتية لاستيضاح حقيقة هذا الموقف المستهجن. خلفان فى تغريداته لم يكن ذكيًا بل كان فجًا ومهينًا إلى درجة جعلت المختلفين مع مرسى ينبرون للدفاع عنه قبل المؤيدين له لأنه لم يهن شخص مرسى، إنما أهان الشعب المصرى كله فى صورة رئيسه، وما لا يدركه هذا الضابط أن المصريين لديهم صفة نادرة وهى أنهم رغم معاركهم الداخلية حتى تمزيق الملابس فإنهم لا يقبلون من غيرهم أن ينتقد بلدهم أو أيًا من رموزهم. والسؤال: هل تغريدات خلفان موقف خاص له، أم هو مجرد واجهة لمن يبعث من خلاله برسائل ومواقف سياسية؟ أتصور أنه لا يمكن اعتبار ما قاله قائد الشرطة موقفًا شخصيًا له لأنه أولاً: يتقلد منصبًا كبيرًا وحساسًا فى دبى، وبالتالى فكل كلمة تخرج منه تكون محسوبة عليه وعلى حكومته خصوصًا عندما يتعمد نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعى. ثانيًا: هو لم يكن يتسلى على تويتر بتغريدات من التى لا يقف أحد عندها ولا تلفت الانتباه والاهتمام، إنما هو يغرِّد بكلام سياسى حاد وساخن ويمسّ أكبر دولة عربية ورئيسها الذى اختاره شعبها فى انتخابات حرة لم تشهد المنطقة مثلها، أى أنه يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية وكل الأعراف الدبلوماسية وحتى القيم الأخلاقية ومعانى الأخوة فى التعامل بين الأشقاء أو فى تعامل مسئول عربى مع شأن داخلى لدولة أخرى. ثالثًا: إنه باعتباره موظفًا بارزًا فى دبى فهو لا يتكلم فى الشأن العام من نفسه فهذا السلوك السياسى غير معتاد ولا مسموح به فى البلدان العربية، فلا يمكن لأى موظف عام أن ينطق بحرف واحد فى أمور عامة داخلية أو خارجية حتى لو كان على حسابه الشخصى فى تويتر أو فيس بوك من دون إذن أو توجيه أو ضوء أخضر من سلطات عُليا، وهنا يظهر التناقض بين الترحيب الرسمى من دولة الإمارات بانتخاب مرسى رئيسًا، وبين الكلام غير اللائق فى حقه بعد ساعات قلائل من موظف كبير بنفس الدولة. يا تُرى من وجّه خلفان لممارسة هذا الشغب والعبث واللعب فى المناطق الممنوعة، هل هى إمارة دبي، أم جهات عُليا فى دولة الإمارات، وما هى الرسالة التى يُراد إبلاغها لمصر الثورة والنظام الجديد والشعب من وراء هذا الكلام الخارج عن اللياقة، وهل لهذا الكلام علاقة بوجود اثنين من كبار رجال مبارك فى الإمارات الآن: عمر سليمان النائب السابق، وأحمد شفيق المرشح الرئاسى المهزوم؟! يحتاج الأمر فعلاً لتوضيح رسمى لأن الإمارات وشعبها من أكثر الدول المحبوبة لدى المصريين، والعلاقات بين البلدين متميزة، ولا يجب أن تتأثر بسقوط رئيس فى ثورة شعبية، وصعود آخر فى انتخابات حرة حتى لو كان من الإخوان، وبالطبع نودّ أن تستمر العلاقات المتميزة مع الأشقاء فى الإمارات شعبيًا ورسميًا، وألا يترك أمثال خلفان أو من يحركونه من خلف الستار لإشعال حرائق تقود إلى بث الفرقة بين البلدين والشعبين فى وقت تحتاج فيه الإمارات وبلدان الخليج إلى مصر لمواجهة المتآمرين على أمن واستقرار الخليج والعرب، كما تحتاج مصر إلى أشقائها لخروجها من عثرتها.. ومعروف عن دولة الإمارات أنها تنسج علاقات طيبة مع جميع دول العالم بما فيها إيران التى تحتل جزرها، وأنها تركز فى التنمية والبناء، ودبلوماسيتها هادئة لا تنشغل بإثارة الخلافات أو افتعال الأزمات أو الدخول فى مغامرات أو محاور وأحلاف، فلماذا يوتر خلفان أو من يحرّكه العلاقات، ولماذا يشاغب مصر ورئيسها، ولمصلحة من بالضبط يفعل ذلك، وفى هذا الوقت الذى يرحِّب فيه العالم كله بالديمقراطية وبالتغيير فى مصر الثورة؟! بعد هذا الذى نراه من الأشقاء يحق لنا الآن أن نتساءل بألم: أين حكمة الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله؟ [email protected]