لست أتفق مع الرأى القائل بأن حكم الدستورية العليا خيانة للثورة والثوار فهذا كلام مغلوط, من يردده يرغب فى خلط الأوراق وإحداث حالة من التعمية على المواطن, دائماً كنت أحذر وألوم أداء النخبة المصرية والأحزاب السياسية، حيث أرى أن هؤلاء هم الذين خذلوا الثورة فعلاً عندما تكالبوا للبحث عن الغنائم وإعلاء المصالح الحزبية الضيقة على المصالح العليا للبلاد, البداية عندما دفع الإسلاميون غالبية المصريين للتصويت بنعم فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية, بحثًا من هؤلاء عن غنيمة البرلمان وبعد أن حصدوا أغلبيته اكتشفوا أنه برلمان بدون صلاحيات (لا يهش أو ينش) ووجدوا أنفسهم ليس لهم سلطان تشريعى أو رقابى على الحكومة ولم يكن لهم الحق فى فتح أفواههم لأنهم هم الذين اختاروا، لذا فإنهم حصدوا اليوم نتائج ما زرعوا بالأمس فالسياسة فن الخديعة والمكر وقد وقعوا فى بحور السياسة بشم وغباء سياسى منقطع النظير. لو كانت النخبة والأحزاب جميعها وفى صدارتها الحرية والعدالة والنور قد انتصروا للثورة من اليوم الأول كانوا قد طالبوا المجلس العسكرى وهم جلوس معه فى اليوم التالى للتنحى مبارك بإصدار قانون العزل لكنهم تناسوا مطالب الثورة ونظروا فى مطالبهم, فكيف يريدون إقناعنا اليوم أن قانون العزل لم يصدر من أجل شفيق بل لعزل جميع قادة النظام السابق, كان أصغر طالب فى أى كلية حقوق يعرف أن القانون غير دستورى، وأن المحكمة سوف تحكم بعدم دستوريته, فلماذا الهرج والمرج, أنتم السبب ولا تلوموا أحدًا بل لوموا أنفسكم. أما فيما يتعلق بقرار المحكمة بحل البرلمان فإن كل أساتذة القانون الدستورى قد أكدوا مرارًا وتكرارًا أن قانون انتخاب مجلسى الشعب والشورى غير دستورى وأن حل البرلمان قادم فى الطريق حيث إن له سوابق دستورية قد جرت فى عز صولجان حكم مبارك, فهل يجوز خداع الرأى العام مرة أخرى بوصف تلك الأحكام بالسياسة والانقلاب على الثورة, لو كانت أحكامًا سياسية فإن السياسة كانت تفرض تأجيل قرار حل البرلمان عدة أسابيع ولأن الرأى العام يعرف تلك الحقائق وأكثر لذا فإنه لم ينزل إلى الشوارع مثلما ظنت بعض الأحزاب, حيث كان اعتقادنا أن الجماهير سوف تملأ الميادين، لكن ذلك لم يحدث لأن الشعوب لا تنزل الميادين من أجل حل برلمان لم ينجز شيئًا للناخبين بل كان معرقلاً لكل خطوة تدفعنا للأمام، وأكبر مثال على ذلك هو ماجرى فى التأسيسية، ولعل ذلك يفسر لنا جميعًا حالة الارتياح العام التى سادت الشارع المصرى بعد قرار الحل. دعونا لا نلتفت كثيرًا للوراء وأن نعمل من اليوم, والصواب أن نضع أهداف الثورة أمام أعيننا ونسعى لتنفيذها وليس للالتفاف حولها، وأتمنى أن يستعد حزب الدستور الوليد ومؤسسه الدكتور محمد البرادعى للانتخابات البرلمانية القادمة وأن يراجع حزب الحرية والعدالة أخطاءه كى يتجنبها فى المرة القادمة, وأرى أن الانتهاء من صياغة دستور جديد للبلاد حاليًا وأولاً هو المهمة الرئيسية للجميع فلا يمكن أن تحيا سلطات الدولة دون دستور ينظم العلاقة بينها وقد جربنا ذلك عندما جرى انتخاب برلمان دون دستور. الناس ضجرت فى البيوت والشوارع بسبب ما يجرى من النخب ومن أداء متهافت من أحزاب كبرى لأنهم بحثوا عن مصالحهم وتناسوا مصلحة الشعب وإذا استمر الحال على هذا المنوال فإن الدرس سيكون مؤلمًا للجميع, ظنى أن لقاء موسعًا بين النخبة المصرية من المثقفين والحزبيين للاتفاق على المحاور السابقة سيدفع البلاد إلى الأمام. لست قلقًا من انتخابات الرئاسة التى ستجرى اليوم, فسواء كان الفائز مرسى أو شفيق فإنهما قد استوعبا الدرس ولا يمكن أن يفكا لحظة واحدة بالسير عكس الاتجاه لميدان التحرير وميادين مصر موجودة, ما يهمنا الآن هو الدستور وبناء مؤسسات الدولة، مصر كبيرة لكن أحزابها ونخبتها صغار، لذا يتعاملون مع الوطن بمنطق الوليمة. حفظ الله مصر [email protected]