تم تدشين حملة في مصر تحت شعار "علشان تبنيها" ، جوهرها مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالترشح لفترة رئاسية ثانية ، وتمت طباعة "استمارة" خاصة بهذا الشأن تعرض على المواطنين والشخصيات العامة والفنانين ولاعبي الكرة والمشاهير لتوقيعها ، وقد تم توزيع بعضها على جهات حكومية ومن الواضح أنها ستتسع في الفترة المقبلة تمهيدا للانتخابات الرئاسية "المفترضة" في يوليو المقبل ، والحقيقة أن هذه الحملة تمثل نوعا من الإكراه السياسي أو الابتزاز ، لأنه من المفهوم أن الموظف أو المواطن أو الفنان أو اللاعب أو رجل الأعمال الذي يرفض التوقيع عليها ستوضع عليه علامة استفهام وقد يتعرض للتنكيل من قياداته أو حتى يتم تلفيق تهم بانتمائه للإخوان أو أي جهة أخرى تخضع للمساءلة القانونية . في العالم "المتحضر" وحتى في العالم الذي يحبو نحو الحضارة ، يتقدم المرشح ، رئيسا كان أو رئيس حزب أو مواطنا عاديا ، بطلب إلى الجهات التي تمثل إرادة الشعب لكي يقدم أوراق ترشحه للمنصب ملتمسا قبولها ، قبل أن يصل للمرحلة الحاسمة ليعرض نفسه وبرنامجه على الشعب ليقرر مصيره ، يقبله أو يرفضه ، وفي غير العالم "المتحضر" يمكن أن تجد هذه الموجات "النفاقية" التي تجعل من الحاكم متفضلا على الناس ومجاملا لهم بأن يقبل سيادته أن يكون رئيسا عليهم أو أن يخوض الانتخابات لكي يبقى على كرسي الحكم ، هذا عار إنساني ، وفضيحة للوطن أمام العالم ، وإذلال لشعب مصر بكامله ، وتحقير للدولة ، وصناعة نمط من "الألوهية" الكاذبة وإضفائها على البشر . أحد شروط الانتخاب ، في أي بلد متحضر أو يمارس الديمقراطية في أضعف حالاتها وصورها ، تتم عملية التصويت في سرية ، ولا يجوز لأحد الاطلاع على ورقة الناخب وما كتبه فيها باختياره ، كما لا يجوز للناخب نفسه أن يظهر هذه الورقة وما كتبه فيها ، لضمان الحيدة الكاملة والحرية المطلقة للاختيار والتأكد من عدم خضوع الناخب لأي ضغط أو إكراه معنوي أو سياسي أو فئوي أو طائفي أو من أي جانب آخر ، فما معنى أن تقوم جهات غير معروفة بطباعة استمارات وتطلب من المواطنين كتابة أسمائهم وبياناتهم ثم يكتبوا موافقتهم على مطالبة الرئيس بأن يترشح مرة أخرى ، أي إرهاب هذا وأي ابتزاز للناس . المدهش أنه لا أحد على الإطلاق يمكنه الاعتراض العملي على ترشح السيسي للرئاسة من جديد ، بل إنه من الناحية العملية لا أحد سينافسه في تلك الانتخابات حتى الآن ، ومن يفكر ، مجرد التفكير في المنافسة ، يتم التشهير به وتلويث سمعته ومسح كرامته بألف صورة وصورة ، فالمناخ كله لا يساعد على أي منافسة حقيقية حتى الآن ، فهو المرشح الوحيد تقريبا ، كما أنه من الواضح أن جميع أجهزة الدولة القوية معه ، فمن هذا الذي سينتزع منه الكرسي فضلا عن أن يمنعه من الترشح ، وبالتالي فما معنى هذه الهوجة المفتعلة لمطالبته بالترشح "علشان تبنيها" ، هل منعه أحد ، وبالتالي لجأ إلى الناس أو تحاول الناس التأكيد على "حقه" ، ما هذا التهريج الذي تعيش في البلد . الفكرة عبثية ولا تكاد تصدق ، كما أنه في كل الأحوال هو سيذهب إلى الشعب عبر الصناديق ويقرروا اختياره أو عدم اختياره ، فما قيمة أن يصطنع بطاقات تصويت موازية تطالبه بالترشح ، لماذا يريد أن يظهر وجود رأي عام كبير يدعمه للترشح ، هل هذه رسالة للشعب نفسه ، أم رسالة لآخرين ، داخل مصر أو خارجها ، تقول أنه ما زال يملك الأرضية الشعبية ، وأنه لا أحد يحاول التفكير في بديل . فكرة الاستمارات تحمل نفس بصمات مخططي استمارات "تمرد" أيام حكم مرسي والتي عرف بعد ذلك أنها كانت برعاية أجهزة نافذة في الدولة ، ومن الواضح الآن أن من كانوا يخططون وينسقون لاستثمارات "تمرد" هم أنفسهم نفس العقليات والجهات التي تخطط وتنسق حملة استمارات "علشان تبنيها" ، وهي خطط وتحركات لا تحمل أي ظل من القانون ولا الدستور ، ويمكن تجريمها بسهولة ، ولك أن تتخيل أن حملة موازية تطبع وتوزع استمارات "تمرد" ضد الرئيس السيسي الآن ، وكيف ستتعامل معها أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة ، لكي تعرف كيف تمضي الأمور في هذا البلد . المعارضون للرئيس أطلقوا حملة أخرى ، على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشعار "مش عايزينك" ، ردا على حملة "علشان تبنيها" ، لكنهم لن يتمكنوا من التحرك بها أبعد من العالم "الافتراضي" ، عالم الانترنت ، أما الواقع العملي فهو محجوز حصريا للآخرين . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1