أبسط الأسئلة أصعبها ، لأننا لم نطرحه علي أنفسنا من قبل وليس له إجابة جاهزة لدينا. فإذا وقفت المرأة اليوم أمام مرآتها وسألت صورتها المنعكسة أمامها من أنت ؟ فبم تجيب ؟ لكي نبسط السؤال هناك اختياران ، الأول : نموذج المرأة التقليدية وهي الصورة التي عاشت في ظلها المرأة قروناً طويلة وهي أكثر سعادة وعطاءاً وأدق تحديداً لهويتها ، فهي امرأة بكل معني الكلمة تتحلي بالأصالة والمرونة والطلاقة وكل عناصر الإبداع النسائية، ومنذ نعومة أظفارها تتشرب خلاياها دورها في الحياة كامرأة ويتم تدريبها وتلقينها كل الفنون والمهارات والأصول الواجب أتباعها ، تبدأ حياتها الزوجية في بواكير الصبا وبدايات الشباب وتعتبر بيتها مملكتها الخاصة التي تضفي عليها إبداعها وابتكاراتها المميزة ، تحترم زوجها احتراماً فائقا ًوتعترف له بالقوامة وسيادة الأسرة ، تربي أولادها وبناتها بنفس الطريقة التي تعلمتها وتنقل لهم القيم وتحيطهم بحنانها الذي لا تشوبه شائبة ، تقوم بأدوار اجتماعية متعددة وتصبح عنصراً فاعلاً مؤثراً داخل أسرتها الممتدة التي تشمل الأعمام والأخوال والخالات وأزواج البنات وهي ابنة وزوجة وأم وعمة وخالة وجدة وحماه ، تمتد أواصر علاقاتها مع كل هؤلاء البشر فتكتسب المزيد من الحكمة والخبرة بالحياة وتزداد قيمتها بإطراء حتى لو نال قسطاً من التعليم والثقافة فإنها تظل في إطارها التقليدي . النموذج الثاني : المرأة العصرية وهي المرأة التي تنادي بالمساواة مع الرجل فتتعلم مثله وتعمل معه وتخرج إلي الحياة العامة وتمارس كل الأنشطة الاجتماعية والسياسية ، تخترق كل المجالات فهي وزيرة ورئيسة وعاملة وسائقة تاكسي ، في مجال الأسرة لا يسعدها إلا أن تقلص أداءها ، تساعدها الأجهزة الحديثة كثيراً في مهامها المنزلية وتعتمد غالباً علي الطعام المجهز أو شبه المجهز وتستعين كثيراً بعاملات النظافة وغيرهم ، فليس لديها وقت لتك الأعمال التي أصبحت تراها هامشية. وتقتصر علاقاتها علي أسرتها النووية الزوج والأولاد وفي أضيق نطاق وتشعر أن راتبها قد أعطاها استقلالية. أغلبنا اليوم لن يجد أنفسنا في أي من الصورتين ، فعندما حاولت المرأة في الستينات بتشجيع وسائل الإعلام المسيطرة وقتها القيام بدور المرأة المعاصرة فشلت تجربتها ، فهي تعيش في مجتمع تقليدي وتؤدي دوراً مزدوجاً داخل البيت وخارجه كما أن الملابس والحرية علي الطريقة الغربية لا تلائمها وتتعارض مع تعاليم دينها وفي النهاية لا تستفيد شيئاً من راتبها الهزيل الذي لا يغطي حتى تكلفة خروجها. ثم حاولت منذ السبعينات العودة الحياة طبقا ًللنموذج التقليدي واكتفت الكثير من خريجات الجامعة بدورهن داخل الأسرة ، لكنها لم تستطع النجاح في ذلك أيضاً لأسباب عديدة أهمها أنه لا يمكن العودة بقطار الزمن إلي الوراء كما أنها هي نفسها لم تربي علي ذلك فهي تعلمت وخرجت للحياة وتسرب إلي نفسها مبادئ المساواة والفردية والإحساس بالذات ، ولم تدرب علي إدارة المنزل وإقامة شبكة علاقات اجتماعية واسعة وناجحة مع أسرتها وأسرة زوجها ومن يضافون إليها. اليوم تقف المرأة حائرة في منتصف الطريق فهي حريصة علي حجابها ودينها وثقافتها الإسلامية ، لكنها لا تستطيع أن تحيا حياة الجدات السعيدات ، بل تريد المساواة والأسرة النووية ولا تقبل بزواج زوجها من امرأة أخري ولا تستطيع القيام بخدمة الأسرة والقيام علي أمرها بالشكل الأمثل ، لكنها ليست حريصة علي الخروج للعمل لأنه ببساطة لا يغطي تكلفته وهو إجهاد مكثف بالنسبة لها كما أنها تترك أطفالها وتهمل أسرتها بلا مبرر. فإذا تفرغت لدورها كربة أسرة فإن هذا الدور طبقاً للواقع المعاصر لا يستوعب كل طاقاتها ويهمش دورها في الحياة ويجعلها تدريجاً تشعر بالخواء والملل وينعكس ذلك سلباً علي علاقتها بزوجها وأسرتها إذ يتحول فائض الطاقة لديها إلي عامل سلبي يثير المشكلات. يحتاج الأمر إلي مراجعة للكثير من المفاهيم مثل العمل والتعليم ورعاية الأسرة . في رأي العمل ليس فقط بأجر خارج البيت ولكنه السعي لما فيه خير المجتمع وبما يستغل طاقة المرأة بكاملها سواء كان بأجر أو عمل تطوعي ، داخل البيت أو خارجه. والتعليم عملية ممتدة علي مدار الحياة لا تنتهي بالحصول علي شهادة دراسية فإذا كان متوسط عمر الإنسان سبعين عاماً فليس من المعقول أن تتوقف معلوماته عند سن العشرين ثم يعيش نصف قرن في خواء. ورعاية الأسرة ليست معناها الانقطاع عن تيار الحياة والانشغال بالتفصيلات اليومية ولكن المطلوب أن تكون الأولوية للأسرة وتأتي بعد ذلك بقية الاهتمامات. دور المرأة المسلمة في المجتمع ما زال يحتاج اجتهاداً يجمع عناصر الأصالة والمعاصرة بما يلائم الواقع ولا يتعارض مع القيم الإسلامية المستقرة في الوجدان وذلك في ضوء التجارب والتطبيقات الحقيقية لمختلف قطاعات النساء. إذا أردنا أن نكتشف عيوبنا لنصلحها ونتلافاها ونظهر دائماً في أبهي صورة فلننظر جيداً في المرآة