تنتشر بين قطاعات من المعارضة المدنية والقوى الإسلامية فكرة مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة كموقف احتجاجي على "توقع" التزوير ، وغياب الحريات العامة والضمانات الكفيلة بنزال ديمقراطي حقيقي وشفاف خاصة بعد حصار الإعلام وحجب المواقع الإخبارية ، وفكرة المقاطعة في الحالة المصرية الآن اختيار خاطئ قطعا بالمعيار السياسي ، لأن المقاطعة لا تكون إلا من قادر على النزال ، ولديه فرص حقيقية ، ولديه مصداقية في تلك الفرصة أمام الداخل والخارج ، هنا تصبح مقاطعته إحراجا كبيرا للنظام أو مرشحه أمام الشعب وأمام العالم ، وتضعف شرعيته ، أما في حالة مصر الآن فلا تملك المعارضة أي دلائل مقنعة للعالم على "فرصتها" للفوز بانتخابات الرئاسة ، بل هي قوى مبعثرة ومشتتة ولا تملك قاعدة تصويتية يمكن توجيهها للمقاطعة ، كما أن النظام يمكنه بسهولة أن يخرج مرشحا "شكليا" في أي لحظة ، يخوض النزال ، ويضفي عليه صورة رمزية لانتخابات ، وتمضي الأمور ، وهنا المعارضة هي الخاسرة بكل تأكيد ، والأهم أن الديمقراطية وفرصة حراكها الشعبي ومكتسباتها التي تكون دون خط الفوز كلها ضائعة ، ويتم توريث الإحباط للشعب وغالبا ما تسبب تلك المآلات في صراعات جديدة بين القوى المعارضة نفسها ، وتحميل كل منها للآخر سبب انتكاسات الديمقراطية . في تقديري أن المشاركة في تلك الانتخابات أولى بكثير من المقاطعة وأجدى ، ومن أراد أن يثبت حدوث تزوير فالطريق الوحيد له هو المشاركة ، ومن أراد أن يثبت غياب الشفافية وحرية المنافسة فالطريق الوحيد له هو المشاركة ، وأي كلام عن تلك الأمور بدون مشاركة سيكون محض ادعاءات يصعب تصديقها في الداخل والخارج ، حتى لو كانت هي الواقع الذي حدث بالفعل ، كما أن الحالة في مصر رغم كل الإحباطات والظروف الضاغطة ما زالت تملك فرصة خوض نزال انتخابي قوي ومحرج للغاية للنظام والرئيس الحالي ، بشرطين : وحدة القوى السياسية المعارضة في "برنامج" رئاسي يمثل قاعدة إجماع وطني للمستقبل ، تعالج سلبيات المرحلة السابقة وتمزقاتها وتطرح أفكارا يحتملها المواطن العادي في إصلاح شئون حياته ، والشرط الآخر أن تنجح القوى الوطنية في اختيار مرشح رئاسي يحظى بحد أدنى من الإجماع والقبول الشعبي ، ويصطف الجميع خلفه ، بغض النظر عن أن خلافات جزئية ، سياسية أو حتى أيديولوجية . الانتخابات المقبلة ستتم وفق الدستور بإدارة قضائية كاملة ، وأيا كانت الملاحظات على حال القضاء إلا أن الجسد القضائي الذي يتجاوز الآن أربعة عشر ألف رجل قضاء تقريبا ، يمثل ضمانة جدية وحقيقية لنزاهة العملية الانتخابية خاصة في عملية التصويت وحرمة الصندوق ، وهي الأهم والأخطر ، كما أن هناك تحفزا دوليا يتصاعد الآن لمراقبة الوضع السياسي في مصر ، وواضح تماما توالي الانتقادات للنظام والضغوط المعبرة عن القلق من مستقبل الأوضاع في مصر ، والمؤكد أنه لو كانت هناك جدية من المعارضة في خوض الانتخابات فإن الحضور الدولي في المشهد سيكون جادا ومؤثرا ، وقبل كل ذلك هناك الضيق الشعبي الواضح لدى المواطنين من سوء الأحوال وهو ما يمكن ترجمته بسهولة لحشد تصويتي لأي مرشح بديل وجاد ومقنع . تبقى حقائق اللحظة التاريخية التي تمر بها مصر مؤكدة على أن المرشح الذي يملك خلفية عسكرية هو الأكثر قربا من المزاج العام للدولة وأجهزتها ومؤسساتها ، وربما قطاع كبير من الشعب نفسه ، على الأقل طوال مرحلة سياسية انتقالية قد تمتد لعشر سنوات ، يتم فيها تطوير الحياة السياسية وتنشيط الأحزاب وتفعيل المجتمع المدني وتراكم خبرة سياسية مدنية كافية لحماية مؤسسات الدولة المدنية واستقلالها وتعزيز سلطاتها ، ولا ينفي ذلك أي جهد سياسي خلاق يكون بمقدوره أن يجد معادلة المرشح المدني الذي يمكن إقناع المؤسسة العسكرية به . في صدارة المشهد الحالي يأتي دائما ذكر الفريق أحمد شفيق ، المرشح الرئاسي السابق ، والذي حصل على أكثر من اثني عشر مليون صوت انتخابي في مواجهة الكتل الإسلامية الضخمة ، ولا يوجد أدنى شك في أن فرصة شفيق إذا قرر نزول الانتخابات الحالية ستكون كبيرة للغاية ، إذا جرت الانتخابات بشفافية ، خاصة وأن شفيق سيتقدم كمرشح إنقاذ ، وسيستفيد حتما من المشكلات التي تراكمت في فترة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ، كما سيستفيد من القلق العام من الانقسام الوطني الذي حدث بعد الاطاحة بالإخوان ثم الصدامات المتتالية مع قوى ثورة يناير ، غير أن فرصة شفيق ستظل معلقة على تقديرات داخلية وخليجية ، تملك التأثير في قرار خوضه الانتخابات المقبلة من عدمه ، وتملك الضمانات أيضا . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1