أربعة أعوام فى جامعات ومعاهد بمصروفات فلكية للحصول على "مؤهلات عليا".. والنتيجة: لن يعمل أحد! "جمعيات" سنوية ينظمها الأهالى لتدبير نفقات التعليم ب"مودرن أكاديمى".. وخريجوها: "شهادتها ما تنفعش بدون واسطة" صدمات متكررة بعد اكتشاف حقيقة معهد "اللاسلكى".. لماذا يطالب أولياء الأمور باسترداد أموالهم بعد تخرج الأبناء؟ الجامعة العمالية.. السبيل للتخلص من وصمة "الدبلوم".. ومسئول لأحد الطلاب: القهوة فى انتظارك! باحث تربوى: التعليم الخاص أصبح "سويقة".. والصلة انقطعت تمامًا بين التعليم وسوق العمل تنتهى معاناة الطلبة والأهالى مع الثانوية العامة فى كل عام، بالدخول فى معاناة جديدة وثقل جديد يحمله غالبية الآباء والأمهات، بمجرد التفكير فى المرحلة التعليمية المقبلة، فمع ارتفاع درجات القبول بالجامعات الحكومية ترتفع كذلك وبشكل جنونى هذا العام مصروفات الجامعات والمعاهد الخاصة، بحسب ما أكدته المصادر، إلا أن الهم الأكبر الذى يحمله الجميع فى كل عام هو حقيقة اعتماد هذه الجامعات من قبل وزارة التعليم العالى، ومدى قدرتها على تأهيل الطلبة للالتحاق بسوق العمل وإيجاد فرص عمل تمكنهم من مواصلة الحياة وتوفير مستلزمات العيش. العديد من الجامعات والمعاهد والأكاديميات، ذاع صيتها فى فترات متفرقة بسبب قبولها للطلبة ذوى الدرجات والمجاميع المنخفضة، والتى تصل إلى 50%، ورغم ما عرف عنها مع مرور الوقت من عدم اعتماد شهاداتها أو صعوبة الحصول على فرص عمل بالمؤهل الذى تمنحه، إلا أن الإقبال عليها لا يزال مستمرًا، فهل أصبحت الشهادات الجامعية مجرد ورقة رسمية يسعى إليها الشباب والأهالى لتجنب النظرة المجتمعية المتدنية لأصحاب المؤهلات العلمية غير العالية أو بعض الامتيازات الأخرى التى قد توفرها كذلك، والتى لا تتقاطع كثيرًا مع سوق العمل فى الداخل، مثل العثور على فرص زواج مناسبة أو تأجيل الالتحاق بالخدمة العسكرية لبضع سنوات وتقليل مدتها؟ سعينا فى هذا التحقيق إلى الحصول على إجابة .. مودرن أكاديمى من أبرز وأكثر الجامعات شهرة فى وسط التعليم العالى الخاص، تقع بالمعادى وسط منطقة سكنية هادئة، أنشئت مبانيها بطراز معمارى مبهر يعتمد على العديد من الزخارف والأعمدة الجميلة، بالإضافة إلى منظومة أمنية متكاملة تظهر فى البوابات والعديد من أفراد الأمن المميزين بملابسهم الخاصة بين الطلبة والأساتذة الجامعيين . يؤكد مسئول ب"مودرن أكاديمى" رفض ذكر اسمه، أن هناك إقبالاً كبيرًا من قبل الطلاب الراغبين فى الالتحاق بالجامعة، لافتًا إلى أن تكاليف الدراسة هذا العام لم تحددها وزارة التربية والتعليم بعد ولكنها ستزداد فى بالتأكيد. ويضيف: أن تعلم الطالب بالجامعات الخاصة أفضل من الجامعات الحكومية، حيث يستطيع الطالب بالجامعات الخاصة أن يتواصل مع دكتور الجامعة، ويقوم بتطبيق ما درسه عمليًا وتصل له المعلومة بشكل صحيح وذلك يرجع لقلة عددهم، بينما فى الجامعات الحكومية يقومون بدراسة المنهج وكأنه حشو معلومات فى أذهان الطلاب وسرعان ما تزول تلك المعلومات بمجرد زوال العام الدراسي. فيما يؤكد "محمد جمال" 24 عامًا، أحد الخريجين، أنه اضطر إلى الالتحاق بها بسبب انخفاض مجموعه بالثانوية العامة، وذلك بعد محاولات مضنية لإقناع والده الذى ضاعف ساعات عمله لتوفير المال اللازم لدخول "جمعية" سنوية يستطيع من خلالها دفع المصروفات، يقول محمد بضحكة تحمل المرارة والحزن: "وأدينى أهو متخرج من كام سنة ومش عارف اشتغل بشهادتى من الجامعة دى .. لكن أعرف شباب وبنات أولاد رجال أعمال وناس مبسوطين قدروا يلاقوا شغل فى شركات ومؤسسات كويسة بالواسطة!". الجامعة العمالية وفى الجامعة العمالية بمدينة نصر، والتى تقع بميدان به موقف "ميكروباص"، يقع المبنى التعليمى فى مناخ غير ملائم إطلاقًا لتعليم الطلاب، حيث تطل نوافذ قاعات المحاضرات على طريق عمومى فى الاتجاهين، بالإضافة إلى محطة للبنزين تبعد عن بوابة الجامعة فقط بضعة كيلومترات . تصادف وجودنا داخل الجامعة، مع وجود أحد أولياء الأمور، الذى حضر للسؤال عن المصروفات ومواعيد التقديم، وحين سألناه عن سبب اختياره للجامعة قال إنه يرغب فى أن تحصل ابنته على مؤهل جامعى حتى لا تظل من حملة "الدبلومات" وتشعر ب"النقص" بين بنات العائلة اللاتى التحقن بالجامعات، مشيرًا إلى أن اختياره وقع على هذه الجامعة لأنها تقبل خريجى التعليم الفنى الصناعى وكذلك لأن مصروفاتها غير عالية مقارنة بغيرها من الجامعات، مستدركًا: "لكن ربنا يستر.. واضح إنها هتعدى برضه السنة دي!". تؤكد لنا إحدى طالبات الجامعة، أنه بإمكان الطلبة الملتحقين بها أن يستكملوا تعليمهم بعمل "الماجستير والدكتوراة"، وتدخل أحد المسئولين بالجامعة ونفى ذلك تمامًا، حيث قال "لا يمكن عمل ماجستير أو دكتوراة" موضحًا، أنها تقبل أوراق الحاصلين على مجموع 55% وكانت المصاريف العام الماضى 3250 جنيهًا، مؤكدًا: "طبعًا هتزيد السنة دي". تطور الحديث فى حلقة تشكلت منا وعدد من الطلبة والعاملين بالجامعة وأولياء الأمور، وحين سأل طالب أحد مسئولى شئون الطلبة: "ماذا أفعل لكى أحصل على مهنة مستقبلية جيدة" أجاب المسئول: "أحسن شىء تخلص التعليم وتقعد على القهوة" معللاً: "البلد لا يوجد بها أى نوع من أنواع العمل!". معهد اللاسلكى بعض الشباب فى منطقة غمرة، يوزعون أوراقًا دعائية للمعهد اللاسلكى بالزيتون، والتى كتب فيها مميزات المعهد وأقسامه التى تنوعت بين "الحاسبات، الفندقة، وقسم الحسابات والسكرتارية" ، بالإضافة إلى المعامل "كالحسابات، ومعامل إلكترونيات ومعامل كهربائية واللاسلكية" وكتب على الورقة: "يستطيع الطالب الحصول على شهادة مصدقة معتمدة من وزارة التربية والتعليم توثق من وزارة الخارجية، وأيضاً مساعدة الخريجين على الحصول على فرص عمل وتأهلهم للحصول على شهادة icdl ". ويتم اعتماد أوراق الدارسين من بطاقات واشتراكات مخفضة للموصلات وشهادة قيد كما يتم قبول من لم يتقدم لمكتب التنسيق!. وفى أحد أفرع المعهد بمدينة نصر، تقول مسئولة رفضت ذكر اسمها، إن المعهد معتمد من وزارة التربية والتعليم ومن شركة اتصالات وغير معتمد من التعليم العالي، وتؤكد أن الطالب عندما يتخرج يفاجأ بأنه يملك شهادة تعليم متوسط وليس شهادة تعليم عال, على الرغم من قضائه عامين بمعهد اللاسلكى ودفع الكثير من المصاريف التى تصل من 4 إلى 5 آلاف جنيه. وتصف المعهد بقولها "مثله مثل التعليم المتوسط وليس فوق المتوسط ولا يعتبر معهدًا على الإطلاق"، مؤكدة فى نهاية حديثها أن هناك بعض الطلاب يتقدمون بشكاوى للمطالبة باستعادة أموالهم بعد قضائهم العامين الدراسيين واكتشافهم لذلك. "سويقة تعليمية" يصف الدكتور كمال مغيث الخبير التربوى، والباحث بالمركز القومى للبحوث، الوضع فى التعليم الخاص ب"السويقة"، موضحًا: "للأسف الشديد، التعليم الخاص أصبح سويقة عشوائية، ومش بالمعنى المحترم.. محدش يعرف إيه اللى رسمى وإيه اللى مش رسمى كل حد عايز يعمل حاجة بيعملها، دون رقيب". ويضيف الخبير التربوي، أن هناك عدة أسباب فى ما يحدث، والسبب الأساسى هو ضيق القنوات الرسمية المؤهلة لاستيعاب أبنائنا قى الجامعات الخاصة والحكومية والدولية، وكأن الدولة تقول لهم "دوروا على فرصة بمعرفتكم، ومن الطبيعى عندما تضيق بهم القنوات الشرعية أن يتوجهوا إلى البديلة، وليس معاهد غير معترف بها فقط بل ممكن عبر الإنترنت لمعاهد أجنبية محدش عارف عنها حاجة "، مثلاً معهد التكنولوجيا العالية فى كاليفورنيا، الطالب يرسل ورقه و 200 دولار فقط ليلتحق به ولا ندرى ماذا يمكن أن يكتشف بعد ذلك. أما السبب الثاني، فيقول مغيث: العلاقة بين الشهادة وسوق العمل انقطعت ولم تعد كسابق عهدها، طالما أن الشهادة لن توصلك لسوق عمل معين، ويكون التعيين بالواسطة وفيما بعد تتضح الرؤية إذا كنت تليق بالوظيفة فستستمر بها أو تبعد عنها وربما لن يسأل أحد فى مدى نجاحك بها طالما أن الواسطة كانت هى الأساس. ويؤكد الباحث، أن هناك سببًا آخر ألا وهو ازدياد مراكز القوى، التى تستطيع أن تؤسس مراكز للتعليم باستخدام التدليس . أما عن كيفية اعتماد المعاهد، فيفيد الخبير التربوى، بأن صاحب المكان يقدم طلبًا إلى وزارة التعليم العالي، بأنه سينشئ معهدًا للإدارة الحديثة والتكنولوجيا مثلاً، وأن لديه قاعات محاضرات و قاعات للأنشطة، وعنده كشف بأسماء الأساتذة، وتعتمد اللجنة المعهد بعد رؤيته والاطلاع على محتوياته والتأكد منها، ويتضح فى النهاية أنه "شقتين مفروشتين أمام بعض وجميع الأوراق التى تم تقديمها غير حقيقية، ثم يأتى دور الفساد بعد ذلك، خاصة عند الزيارات الميدانية للمكان". ويشير مغيث، إلى أن الحل يكمن فى تشريع قانون صارم قاطع حاد يجعل الشخص يفكر جيدًا قبل أن يغش، خاصة أنه سيكون مؤتمنًا على مستقبل الأولاد وتكون العقوبة كجريمة مخلة بالشرف من 20 إلى 40 سنة سجنًا و يسترد الطلاب أموالهم، وهذا ما يحدث فى الدول المتقدمة. ويحذر الخبير التربوى، أولياء الأمور والطلاب بضرورة السؤال عن المعاهد أو الكليات الخاصة من قبل الوزارة أو من خلال موقع الوزارة على الإنترنت، والتأكد من المعهد أو الكلية إذا كان موثقًا وموجودًا ومصروفاته ودراسته وأساتذته قبل التقديم، وإذا كان هناك أى خطأ يتم إبلاغ الوزارة فورًا لاتخاذ اللازم. وفيما يتعلق بإقبال الطلاب والأهالى على المعاهد والجامعات التى لا تؤهل لسوق العمل من أجل الحصول فقط على الشهادة العليا، يقول الباحث والخبير التربوي: إن المجتمع يحسن نفسه بنفسه، وأن النظرة المجتمعية للشهادة العالية فى سبيلها للتغير، فعلى سبيل المثال الأسرة ستنظر فى المستقبل إلى اختيار العريس المناسب ماديًا حتى وإن كان صاحب مؤهل متوسط وسيكون أفضل من خريج الجامعة غير المقتدر. ترتيب أوراق بينما يدق ناقوس الخطر، معاون وزير التربية والتعليم السابق طارق نور، الذى يؤكد أن المشكلة ستتفاقم أكثر فى هذا العام لأن الأعداد التى تقدم فى الجامعات والمعاهد الخاصة زادت جدًا، خاصة مع اعتقاد الطلاب بأن التعليم الخاص أفضل وفقدانهم للثقة فى التعليم الحكومى. ويشير المعاون السابق، إلى أن التعليم العالى الخاص، يخضع بعضه تمامًا للتعليم العالى ومعتمد ومعترف به، بينما البعض الآخر يحتاج إلى أن يعيد ترتيب أوراقه حتى يسير على الطريق الصحيح، رافضًا ذكر أسماء بعض الجامعات أو المعاهد الخاصة غير المعتمدة قائلاً: "هذا يعتبر تشهيرًا بها!". ويوجه نور، رسالة إلى الآباء والطلاب بضرورة التأكد من تلك الأماكن قبل التقديم بها، وأنها معتمدة من المجلس الأعلى للجامعات، مشيرًا إلى أن هناك بعض المعاهد والكليات الخاصة، التى يستطيع الطالب بعد الانتهاء من الدراسة عمل معادلة للسفر إلى الخارج للعمل. ويؤكد المعاون السابق لوزير التربية والتعليم، أنه يجب أن يكون هناك اهتمام بالجامعات الحكومية، حتى تطبق بنود الدستور، التى تشير إلى أن التعليم بالمجان منذ مرحلة رياض الأطفال وحتى التعليم الجامعى وهو ما لا يتم تطبيقه حاليًا.