كمال حبيب طالعت قبل أن أكتب هذا المقال أكثر من خمسة مقالات في صحف مختلفة لكتاب مصريين عن موضوع الساعة وهو الفوز الكاسح للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الجارية في مصر ، وهو فوز كشف عن أن القوة السياسية الوحيدة في الشارع هي " الإخوان المسلمون " ، بعض من هؤلاء تكلم عن بناء الدولة الوطنية التي تحتكم للقانون وتفتح الأبواب مشرعة للقوي السياسية وقوي المجتمع الأهلي والمدني للعمل والنضال السياسي في الشارع بعض برامجهم وتوعية الجماهير والناس بأهمية الاشتراك في العمل العام وغيره . وآخرون تكلموا عن تخوفات من قطاعات معينة في المجتمع من مجئ الإخوان المسلمين إلي السلطة – بالطبع ذلك لن يتم غدا ولكن ماحدث في الانتخابات هو مؤشر علي وجهة مصر – كيف سيطبقون الإسلام ؟ وهل سيطبقون الحدود ؟ وكيف سيتعاملون مع الأقباط ؟ وكيف سيتعاملون مع العالم .. الخ وغيرهم تحدث عن ضرورة الاجتهاد الفكري والسياسي الذي جري إبعاده لصالح العمل الجماهيري والسياسي والذي عادة مايغيب التفكير العاقل الرصين ويشد الناس وراء شعارات غائمة تحثهم إليها العاطفة ومشاعر الدهماء .. الخ وأخيرا أحدهم تحدث عن طبيعة التنظيم الإخواني الذي يعبر عن قوة التنظيم وصلابته علي العقل والتفكير والاجتهاد أو بتعبيره هو أن طبيعة بناء التنظيم اهتمت بالعضلات علي العقل ، ومن هنا كلامي أنا - ففي التنظيم كوادر قوية تعمل في الشارع وحركيين ولكن في النهاية هناك تواضع كبير للإمكانيات الفكرية والإبداعات الخلاقة والرؤي الجديدة لبناء مستقبل مصر وحتي مستقبل التنظيم نفسه – وأنت تجد التنظيم الصارم لديه مشاكل بالفعل مع طاقات كبيرة فكرية من أبنائه اختلفت معه ثم غادرت غير مأسوف عليها من جانب تنظيم يثق تماماً بصلابته واستغنائه الذي يصل إلي حد التعالي ، وهناك طاقات حاولت الاجتهاد والتفكير ولكنها قمعت أو غادرت . وأنا تحدثت من قبل عن لحظة ميلاد جديدة للإخوان مع اختيار الجماهير لشعارهم ولهم ، ولحظة الميلاد هذه تحتاج لتحول من مفهوم التنظيم الذي يدير بصرامه جماعة واحدة كلمته نافذة علي كل أعضائه ، يملي شروطه في الانضمام والاستبعاد إلي حالة جديدة هي حالة الانفتاح علي الملايين الذين أعطوا أصواتها للجماعة من المصريين وعلي مراراتهم ومشاكلهم وبؤسهم ، وعلي طموحاتهم وأشواقهم في الحرية ومستقبل أفضل وهنا فالتقاليد الصارمة لن تفيد ولكن الانفتاح علي الناس والاستماع لهم والنضال من أجل أجندة الجماهير عامة والناس كلهم في بر مصر ، وهذه هي المعضلة القادمة التي تواجه الإخوان ، كيف التحول من صيغة التنظيم إلي صيغة ما يمكن أن نصفه بالحزب السياسي الذي يتحرك وفق برنامج يستجيب لمطالب الناس الذين منحوه ثقتهم ، وهذه أعتقد من أخطر وأهم المعضلات التي ستواجه الإخوان في المرحلة القادمة . ولكن يبقي شئ مهم تناساه أولئك الذين طرحوا الأسئلة علي الإخوان وهذا حقهم – وهو شئ جيد وحق لمن يريد أن يطرح الأسئلة – فالجماعة مطروحة علي الرأي العام كبديل محتمل لما هو قائم والناس يطرحون الأسئلة ولديهم خياراتهم – وهذا جديد ، الشئ المهم الذي تناساه من طرحوا الأسئلة هو أننا في الممارسة الديموقراطية لا بد وأن نقبل بخيار الجماهير والناس ، فالناس الذين صوتوا للإخوان لا بد من احترام خياراتهم ولا بد من الإذعان لإرادتهم وقراراتهم فهذا هو معني الممارسة الديموقراطية ، الاحتكام إلي الناس والجماهير وإلي صندوق الانتخابات الشفاف ، هذا هو الدرس الذي لا يجب لأحد أن يتجاوزه أو يقفز عليه أو يتعامي عنه ، الناس قالوا كلمة واحدة وصدروا عن إرادة لا تهتز وهي " لا للحزب الوطني واستبداده " ، وهم قالوها عن وعي وأعتقد أن الأهم من نجاح الإخوان واكتساحهم هو نجاح الشعب المصري في أن يقول لأول مرة كلمته بعناد وإصرار ووعي هو نفسه ميلاد لتحرير إرادته والانخراط في المشاركة والعمل العام . نحن لازلنا نطرق أول الباب ونحن نستشرف" أول الغيث " الذي أسميت به العمود الذي أكتبه ، لأنني كنت أرقب من بعيد أن غيثا سيأتي ونحن بانتظاره وهاهو أول الغيث في الممارسة الحقيقية للسياسة والديموقراطية ولابد من احترام خيار الشعب والتعود علي الاحتكام إلي الصندوق الشفاف ولايزال أمامنا شوط طويل ستتكسر علي طوله سهام وحراب وخيارات وقد نكتشف ونحن نسير في الطريق مشاهد جديدة ودروب عديدة ، فنحن في البداية ولا بد من الاستماع لصوت الناس .