الرأى الثالث : تحديدها بالعشر كله وتره وشفعه :- 1- عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الغوابر } ( رواه السيوطى فى الجامع الصغير وصححه الألبانى ) وعنى الغوابر أى الباقيه 2- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى } ( رواه البخارى ) ولفظ أحمد { الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى أَوْ خَامِسَةٍ تَبْقَى أَوْ سَابِعَةٍ تَبْقَى } قال شيخ الاسلام فى مجموع الفتاوى : { الحمد لله ، ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان ، هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هي في العشر الأواخر من رمضان " ، وتكون في الوتر منها ، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين ، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى " . فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع ، وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى ، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح ، وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر. وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تحروها في العشر الأواخر " ، وتكون في السبع الأواخر أكثر ، وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين ، كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين ، فقيل له : بأي شيء علمت ذلك ؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله ، أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطشت لا شعاع لها . فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر العلامات في الحديث وقد روي في علاماتها : " إنها ليلة بلجة منيرة " وهي ساكنة لا قوية الحر ولا قوية البرد ، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة ، فيرى أنوارها أو يرى من يقول له : هذه ليلة القدر ، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر .} أه الوقفة الخامسة : السبب فى عدم تحديدها :- بين النبى صلى الله عليه وسلم السبب فى رفعها وعدم تحديدها فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : { اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان . يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له . فلما انقضين أمر بالبناء فقوض . ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر . فأمر بالبناء فأعيد . ثم خرج على الناس . فقال : " يا أيها الناس ! إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها . فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان . فنسيتها . فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان .} ( رواه مسلم ) وفى رواية { خرجت إليكم وقد بينت لي ليلة القدر ومسيح الضلالة فكان تلاحي بين رجلين بسدة المسجد فأتيتهما لأحجز بينهما فأنسيتهما وسأشدو لكم منها شدوا أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وترا } ( رواها أحمد وصححها أحمد شاكر ) وفى رواية للبخارى { خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : ( خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ) . قال ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى : { قوله ( فتلاحى ) بفتح الحاء المهملة مشتق من التلاحي بكسرها وهو التنازع والمخاصمة ، والرجلان أفاد ابن دحية أنهما عبد الله بن أبي حدرد - بحاء مفتوحة ودال ساكنة مهملتين ، ثم راء مفتوحة ودال مهملة أيضا - وكعب بن مالك . وقوله : " فرفعت " أي : فرفع تعيينها عن ذكرى ، هذا هو المعتمد هنا . والسبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة قال : " فجاء رجلان يحتقان " بتشديد القاف أي : يدعي كل منهما أنه المحق " معهما الشيطان ، فنسيتها " . قال القاضي عياض : فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة ، وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان . وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير . فإن قيل : كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومة ؟ قلت : إنما كانت كذلك لوقوعها في المسجد ، وهو محل الذكر لا اللغو ، ثم في الوقت المخصوص أيضا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان ، فالذم لما عرض فيها لا لذاتها ، ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت ، ورفعه بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهي عنه لقوله تعالى : ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - إلى قوله تعالى - أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) ومن هنا يتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له ، وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب .} أه الوقفة السادسة : الحكمة من رفعها وعدم تحديدها :- قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - في " الفتح " : (قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر ، ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لاقتصر عليها ) . وقال الإمام ابن رجب : ( إنَّ إبهام ليلة القدر أدعى إلى قيام العشر كلهِ - أو أوتاره - في طلبها ، فيكونُ سبباً لشدَّة الاجتهاد وكثرت } أه . وقال الرازى – رحمه الله - فى " التفسير الكبير " : { المسألة الخامسة : أنه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه : أحدها : أنه تعالى أخفاها ، كما أخفى سائر الأشياء ، فإنه أخفى رضاه في الطاعات ، حتى يرغبوا في الكل ، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل ، وأخفى وليه فيما بين الناس حتى يعظموا الكل ، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات ، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء ، وأخفى الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل ، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة ، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف ، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان وثانيها : كأنه تعالى يقول : لو عينت ليلة القدر ، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية ، فربما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية ، فوقعت في الذنب ، فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك ، فلهذا السبب أخفيتها عليك ، روي أنه عليه السلام دخل المسجد فرأى نائما ، فقال : يا علي نبهه ليتوضأ ، فأيقظه علي ، ثم قال علي : يا رسول الله إنك سباق إلى الخيرات ، فلم لم تنبهه ؟ قال : لأن رده عليك ليس بكفر ، ففعلت ذلك لتخف جنايته لو أبى ، فإذا كان هذا رحمة الرسول ، فقس عليه رحمة الرب تعالى ، فكأنه تعالى يقول : إذا علمت ليلة القدر فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر ، وإن عصيت فيها اكتسبت عقاب ألف شهر ، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب . وثالثها : أني أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلف في طلبها ، فيكتسب ثواب الاجتهاد . ورابعها : أن العبد إذا لم يتيقن ليلة القدر ، فإنه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان ، على رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر ، فيباهي الله تعالى بهم ملائكته ، ويقول : كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء . فهذا جده واجتهاده في الليلة المظنونة ، فكيف لو جعلتها معلومة له فحينئذ يظهر سر قوله " إني أعلم ما لا تعلمون ( البقرة : 30) } أه الوقفة السابعة : علامات ليلة القدر :- بالرغم من أن الله عز وجل رفع تعيين ليلة القدر ، للحكمة البالغة التى ذكرناها آنفا ، الا أنه سبحانه جعل لها علامات بينها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذه العلامات تنقسم الى قسمين : القسم الأول : العلامات المصاحبة لليلة :- 1- ليلة صافية وضيئة مُضيئة خاليه من السحب : يعتدل فيها المناخ ، فعن واثلة بن الأسقع وعبادة بن الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { ليلة القدر ليلة بلجة ، لا حارة و لا باردة ، ولا يرمى فيها بنجم ، و من علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها } ( رواه السيوطى فى الجامع الصغير وحسنه الألبانى ) وفى رواية عن ابن عباس { ليلة القدر ليلة سمحة ، طلقة ، لا حارة و لا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء } ( أخرجها السيوطى فى الجامع الصغير وصححه الألبانى . 2 - ليلة تصفد فيها الشياطين : فعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عيه وسلم : { إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها، وهي في العشر الأواخر، وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمرا يفضح كواكبها، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها } ( أخرجه ابن حبان وصححه شعيب الأرناؤط ) 3- الطمأنينة : أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن ، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي . 4- أن الرياح تكون فيها ساكنة : أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف ، بل بكون الجو مناسبا 5- أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام : كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم ، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال : { أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر} ( رواه البخارى ) وفى رواية لمسلم { رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم في العشر الأواخر . فاطلبوها في الوتر منها } . قال النووي – رحمه الله - في " شرح مسلم " : { وَاعْلَمْ أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر مَوْجُودَة كَمَا سَبَقَ بَيَانه فِي أَوَّل الْبَاب , فَإِنَّهَا تُرَى , وَيَتَحَقَّقهَا مَنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مِنْ بَنِي آدَم كُلّ سَنَة فِي رَمَضَان كَمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الأَحَادِيث السَّابِقَة فِي الْبَاب , وَإِخْبَار الصَّالِحِينَ بِهَا وَرُؤْيَتهمْ لَهَا أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَر , وَأَمَّا قَوْل الْقَاضِي عِيَاض : عَنْ الْمُهَلَّب بْن أَبِي صُفْرَة لا يُمْكِن رُؤْيَتهَا حَقِيقَة , فَغَلَط فَاحِش , نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلا يُغْتَرّ بِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم } أه. وقال شيخ الإسلام { : وَقَدْ يَكْشِفُهَا اللَّهُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي الْمَنَامِ أَوْ الْيَقَظَةِ . فَيَرَى أَنْوَارَهَا أَوْ يَرَى مَنْ يَقُولُ لَهُ هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الأَمْرُ } أه. 6- أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي . 7- أنها ليلة لا يرمى بها بشهب : لحديث واثلة السابق ، وفيه { ولا يرمى فيها بنجم } 8- أنه قد يُري الله المؤمن علامة يعرف بها هذه الليلة : والله أعلم . القسم الثانى : العلامات التالية لليلة :- طلوع الشمس صافية بغير شعاع ، ففى حديث واثلة { و من علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها } وفى رواية ابن عباس { تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء } وفى رواية أبى داود السابقة عن زر قال : { قلت لأبي بن كعب أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبد الرحمن والله لقد علم أنها في رمضان زاد مسدد ولكن كره أن يتكلوا أو أحب أن لا يتكلوا ثم اتفقا والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني قلت يا أبا المنذر أنى علمت ذلك قال بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لزر ما الآية قال تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع } وتبقى علامة خاصة بالنبى صلى الله عليه وسلم : فعن أبى سلمة رضى الله عنه قال : انطلقت الى أبى سعيد الخدرى فقلت : { ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث ، فخرج ، فقال : قلت : حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر ؟ قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان ، واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ، فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ، قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا ، صبيحة عشرين من رمضان ، فقال : من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع ، فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها وإنها في العشر الأواخر ، وفي وتر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء . وكان سقف المسجد جريد النخل ، وما نرى في السماء شيئا ، فجاءت قزعة فأمطرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء . على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته ، تصديق رؤياه } ( رواه البخارى ) الوقفة الثامنة : هل ليلة القدر ثابتة أم متنقلة ؟ :- اختلف الفقهاء فى هذه المسألة على رأيين : الرأى الأول :- يرى أن ليلة القدر ثابتة فى يوم معين ولا تنتقل الى غيره الى أن يرث الله الأرض ومن عليها :- قال النووى : { وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان، وأرجاها أوتارها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين وإحدى وعشرين، وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل } اه دليله :- 1- قال تعالى : ( إنّا أنزلناه في ليلة القدر ) [ القدر 1]. ولم يقل في ليلة قدر . 2- أنها لو كانت متنقلة لكانت رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم للدلالة على عام واحد ، وليس كذلك سياق الحديث ، فسياقه يدل على أنها ليلة ثابتة 3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هي في العشر الآواخر في تسع يمضين أو في سبع يبقين .} ولو كانت متنقلة لقال : تارة في تسع ، وتارة في سبع .وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي غير متلو ، وما كان ربك نسيا . الرأى الثانى :- يرى أنها متنقلة فى العشر الآواخر فى كل عام :- وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، واختاره ابن عبدالبر ، وابن حجر ، وابن باز ، وابن عثيمين . دليله :- 1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر ، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه ، وقد أريت هذه الليلة ، ثم أنسيتها ، فابتغوها في العشر الأواخر ، وابتغوها في كل وتر ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين . فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت ، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين ، فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً } . ( أخرجه البخاري ومسلم ) . 2 - عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أريت ليلة القدر ثم أنسيتها ، وأُراني صبحَها أسجد في ماء وطين، قال : فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله ، فانصرف ، وإنّ أثر الماء والطين على جبهته وأنفه } ( أخرجه البخاري ومسلم ) الوقفة التاسعة : الحكم فى اختلاف المطالع :- مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم ، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه. فلهذا الاختلاف تأثيرات و لابد :- التأثير الأول :- اختلاف بداية الشهر عن كل بلد بفرق يوم سابق أو لاحق . التأثير الثاني :- اختلاف نهاية الشهر كذلك . التأثير الثالث :- اختلاف ليلة القدر ، فقد تكون وترية في بلد شفعية في بلد آخر . والأصل بالنسبة للمسلم التسليم والانقياد للشرع ، علم الحكمة من وراء ذلك أم لم يعلم ، فالمعتبر شرعاً وقدراً اختلاف المطالع بما يعني اختلاف بدايات الشهور العربية ، وعليه فلأهل كل مطلع ليلة للقدر مختصة بهم يشاركهم غيرهم في جزء منها، تنتهي عند طلوع الفجر عندهم وقد تستمر عند أهل مطلع آخر حتى طلوع الفجر عندهم ، علما أن أقصى مدار للشمس هو أربع وعشرون ساعة ، فربما استمرت ليلة القدر في الأرض كلها أربعاً وعشرين ساعة ، ليس لأهل كل مطلع إلا قدر الليل عندهم . والله أعلم. الوقفة العاشرة : هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة ؟ :- عن أبى ذر رضى الله عنه قال قلت يارسول الله أخبرني عن ليلة القدر : أفي رمضان أو في غيره ؟ فقال : بل هي في رمضان . قال ، قلت : يا رسول الله تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبض الأنبياء رفعت ، أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : لا بل هي إلى يوم القيامة . قال ، قلت : يارسول الله في أي رمضان هي ؟ قال التمسوها في العشر الأول والعشر الأخير ، قال : ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث ، فاهتبلت غفلته ، فقلت : يا رسول الله أقسمت عليك لتخبرني أو لما أخبرتني في أي العشرين هي ؟ قال : فغضب علي ما غضب علي مثله قبله ولا بعده ، ثم قال : إن الله لو شاء أطلعكم عليها ، التمسوها في السبع الأواخر } (أخرجه ابن خزيمة وضعفه الألبانى ) الوقفة الحادية عشر : هل ليلة القدر باقية الى يوم القيامة أم رفعت ؟ ليلة القدر باقية الى يوم القيامة ، والدليل على ذلك الآتى : أولها : أن الله قال عنها ( تنزّل الملائكة والروح فيها ) ولم يقل تنزّلت . فصيغة المستقبل تنزّل دالة على الديمومة . وثانيها : إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك ، ولا معنى لأي خلاف بعدهم ، بل أجمع على ذلك المحدثون وجمهور الفقهاء . وثالثها : قال صلى الله عليه وسلم : { ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه } ( رواه البخاري ) فهذا خطاب عام للأمة المحمدية إلى ان تقوم الساعة وينقطع التكليف ، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرنا بقيام ليلة القدر ولايكون في رمضان ليلة قدر كما زعمت الرافضة وقلة تابعتهم من أهل الرأي . ورابعها : أن النصوص تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نتحراها في العشر الأواخر من رمضان .وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرنا بتحري معدوم . الوقفة الثانية عشر : هل الليلة تستتبع اليوم :- قال الرازى فى التفسير الكبير : { المسألة السادسة : اختلفوا في أن هذه الليلة هل تستتبع اليوم ؟ قال الشعبي : نعم يومها كليلتها ، ولعل الوجه فيه أن ذكر الليالي يستتبع الأيام ، ومنه إذا نذر اعتكاف ليلتين ألزمناه بيوميهما قال تعالى " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة " ( الفرقان : 62 ) أي اليوم يخلف ليلته وبالضد . } أه . الوقفة الثالثة عشر : كيفية احيائها :- يستحب للمسلم أن يحيها بالآتى :- 1- أداء الصلوات المكتوبة للرجال مع جماعة المسلمين . 2-. القيام : أي الصلاة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم : { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } ( رواه البخارى ) وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وجدّ ، وشدّ المئزر } ( رواه البخارى ومسلم ) فقد كان يديم الصلاة في هذه الليالي ؛ فإنه صلى ليلة ببعض صحابته حتى خشوا أن يفوتهم السحور، وكذلك صلى مرة ومعه رجل من أصحابه - وهو حذيفة - فقرأ في ركعة واحدة ثلاث سور: سورة البقرة ، وسورة آل عمران ، وسورة النساء ، يقرأ بتدبر ، ويقف عند آية الرحمة فيسأل ، وعند آية العذاب فيتعوذ ، يقول : فما صلى ركعتين ، أو أربع ركعات حتى جاءه المؤذن للصلاة . 3. الدعاء : ويستحب كثرة الدعاء في هذه الليلة المباركة ، لأنه مظنة الإجابة ، ويكثر من طلب العفو والعافية كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : { قلت : يا رسول الله ، إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها ؟ ، قال : قولي : " اللهم إنك عفو كريم تُحب العفو فاعف عني " } ( أخرجه الترمذى وصححه الألبانى ) وعن سفيان الثوري رحمه الله : { الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة ، قال : وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق } أه . قال ابن رجب : { ومراده أي سفيان أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء ، وإن قرأ ودعا كان حسناً ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتهجد في ليالي رمضان ، ويقرأ قراءة مرتلة ، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر ، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها ، والله أعلم ، وأفضل ما يقال فيها من الدعاء : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ؛ يردده ويكثر منه داخل الصلاة وبين تسليمات القيام وفي سائر ليلها ونهارها .وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم عن عائشة قالت : فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول " اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } ( أخرجه مسلم ). 4. قراءة القرآن : وتدبر معانيه وتعلم أحكامه إذا أحيوا الليل بتعلم أو تعليم كان ذلك أيضاً أحياءً لهذه الليالي بطاعة. فإذا أحيينا ليلنا أو جزءاً من ليلنا في تعلُّم علوم دينية ، كان ذلك إحياء لهذه الليالي بطاعة تنفعنا إن شاء الله . 5. اجتناب المحرمات ، دقيقها وجليلها . 6. الاغتسال أو الاستحمام بين العشاءين و لبس أحسن الثياب والتطيب : وذلك لتجديد النشاط على القيام ، لحديث عائشة السابق : " واغتسل بين العشاءين " ، أي المغرب والعشاء .قال ابن جرير رحمه الله : { كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر ، وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر. 7 . الاعتكاف : فالاعتكاف الإقامة والانقطاع للعبادة في المسجد بنية الطاعة والعبادة لله عز وجل إن الإنسان يمكث في المسجد فترة من الزمن ينقطع عن أمور الدنيا وأعمال الدنيا . 8 . إيقاظ الأهل : كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر إيقاظ أهله للصلاة فيها دون غيرها من الليالي ، ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه : { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بهم ليلة ثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع وعشرين } ، ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين، خاصة وقد صح عنه أنه كان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر ، وصح عنه أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما : ألا تقومان فتصليان .( رواه البخارى ومسلم ) وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يصلي من الليل ما شاء الله له أن يصلي ، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة ، يقول لهم : الصلاة الصلاة ؛ ويتلو هذه الآية قال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } ( طه : 132 ) } ( صححه الألبانى ) وينبغي لمن لم يتمكن من الاعتكاف أن يحرص على ذلك ، فما لا يدرك كله لا يترك جله ، وعليك أخي الكريم باستحضار القلب واستصحاب النية الطيبة الخالصة ، فإنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، وإنما يتقبل الله من المتقين . قال جبير : { قلت للضحاك : أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيب ؟ قال : نعم ، كل من تقبل عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر . والله الموفق . ** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة و الكاتب بمجلة التوحيد