فالعولمة هي مفهوم جديد لواقع قديم،ظهر في الستينات عندما لاحظ المارشال ماكلوهان أن التغطية الإعلامية للقضايا العالمة حولت الناس من مجرد مشاهدين، إلى مشاركين ومؤثرين على الأحداث، ليصبح العالم قرية صغيرة، ثم ازداد رواج العولمة في الثمانينيات، وتبلورت في التسعينيات ببلوغ تقنية الاتصالات القمة لقد تطور مفهوم العولمة لدرجة أن مروجي ومنظري العولمة قالوا أنها من قبيل الحتميات الاقتصادية والتكنولوجية، التي لا يمكن الوقوف في وجهها، وأنها ترتبط بتحرير السوق العالمية، غير أن استخدام التقنية زاد من تردي الأوضاع في العالم الثالث، وزيادة البطالة مما عمق التفاوت بين العالمين و زعزع التماسك الاجتماعي إننا اليوم نتعاطى العولمة وآلياتها من وسائل النقل والاتصال كالنقال والانترنت، إلى الإبحار في مختلف الفضائيات لنتفاعل مع جميع الإفرازات، وتؤثر فينا ونؤثر فيها. لقد فرض نظام العولمة علينا، شئنا أم أبينا، وهي كما يقول البعض كالنهر الجارف لا يمكن إيقافه إلا ببناء سدود نستفيد منها. فالعولمة فرضت مفاهيم جديدة أخذت تجد قبولا، منها الدعوة إلى بناء الشخصية الذاتية، والاستقلالية، والمصلحة الشخصية، والمصلحة المادية كهدف يسعى له الفرد، وهو ما افرز نماذج جديدة ومستحدثة، إذ بدأت الجرائم التقليدية تتخذ من العولمة أساليبها الجديدة إن الرؤية التي يقترب منها العديد من المفكرين هي أن العولمة نظام عالمي جديد، له أدواته ووسائله وعناصره هذا التناقض بين عولمة الاقتصاد وارتباط القانون الجنائي بالدولة الوطنية يزداد اتساعاً بزيادة تداخل الاقتصاديات الوطنية و التطور التكنولوجي ، حيث أن بعض الدول الوطنية التي يقف عند حدودها السياسية وفي المقابل يرى بعض آخر أن العولمة هي: اتجاه فطري للإنسان يتسارع أثره مع تطور آليات الاتصال بين المجتمعات وتركيز الصناعات وتجاوز المجتمع التقليدي، وأنها مظهر من مظاهر التطور الطبيعي الحضاري المعاصر، وأن المجتمعات الأكثر حضارة تفيض على المجتمعات الأقل حضارة بشكل تلقائي عبر قنوات تصل بين المنبع والمصب. فهو نظام رأسمالي أكثر تكاملاً وليس رسملة للعالم بالمفهوم الغربي أو الأمريكي. وقد يعبر عن ذلك بطريقة أخرى، فيقال: إن ما يحدث هو إفراز من إفرازات الدولة الحضارية في لحظة تضخم قوتها في المجالات المختلفة على العالم من حولها.ريان القانون الجنائي تم تجاوزها اقتصاديا و تكنولوجيا.. فبينما تطور السلطات الوطنية وسائلها في نطاق الحدود السياسية لدولها ، مع تعاون دولي أمني قضائي ، تطور التنظيمات الإجرامية هي الأخرى و في ذات الوقت وسائلها علي مستوي دولي سريع متطور، ما يعني استفادة التنظيمات الإجرامية من هذا التعارض بين إقليمية القانون الجنائي وعولمة التطور التكنولوجي للحد من فعالية الملاحقة الجنائية لأنشطتها. لم يكن تطور الجريمة وتمكن تأثيرها في المجتمعات المعاصرة والعجز عن التصدي لها ليكون على النحو الذي هو عليه الآن لولا الخلل في أدوات حماية المجتمع من الجريمة، وفي مقدمتها القانون الجنائي الذي بات يعاني من التضخم التشريعي وترهل الأجهزة القضائية وشيوع الحلول الظرفية ذات المنحى الديماغوجي. ولا شك أن مثل هذه الحلول حرفت مفهوم الأمن واختزلته في مطلب الحفاظ على النظام العام اعتمادا على مقاربات أمنية وجنائية طبقية وقاصرة، مما أدى إلى استنزاف طاقات الجهاز القضائي في ملاحقة الجريمة الصغيرة والهامشية وصرفه عن الاهتمام بتعقب الإجرام الأكثر خطورة والذي يتصرف من مواقع السلطة والسطوة والنفوذ. أزمة القانون الجنائي نتيجة لحلول ظرفية قاصرة عن مواجهة الأسباب البنيوية للجريمة ومقتصرة على تغذية الأوهام حول فعالية الردع العقابي، حتى لا نقول صناعة المزاج القمعي والمخاوف السائدة في المجتمعات المعاصرة وهذا بدوره مثل إخلالا مكشوفا بالترتيب المنطقي للأولويات وتجاهلا غير مقبول لحقيقة أن مقاربة الجريمة الصغيرة من المنظور الجنائي حصرا إنما تؤدي إلى تغذية الأوهام حول الفعالية المطلقة للردع العقابي، في الوقت الذي تعفي فيه الدولة وسلطاتها والمجتمع ومؤسساته من أعباء البحث عن حلول بنيوية للأزمات الاجتماعية التي تنتج هذا الصنف من الجريمة. لقد أسفر الإسراف في الإنتاج التشريعي ذي الأثر الجنائي عن تمييع الوظيفة التنظيمية للقانون عموما وابتذال القدرة الردعية لقواعد القانون الجنائي خاصة والحد من فعاليتها بفعل التوسع غير المحدود لمجالات تطبيقها. كما أدى ذلك الإسراف إلى فوضى كبيرة بسبب تعدد المصادر وتداخل الصلاحيات على نحو يتنافى مع التحديد والوضوح المطلوبين في القاعدة القانونية لاسيما الجنائية. وأدى التضخم إلى تعطيل فعالية الجهاز القضائي المثقل كاهله بقضايا مكلفة وتافهة، في مجهود نتيجته الوحيدة إضاعة الوقت وتبذير موارد كان ينبغي أن توجه لملاحقة الجرائم الكبرى والخطيرة التي أصبح مرتكبوها يستفيدون في معظم الحالات من نوع من العفو الضمني تحت مسمى التقادم. كما تسبب في إضعاف هيبة القانون وقدرته التنظيمية وأخل بأهم الوظائف المنوط به تحقيقها في دولة القانون. تمثل أزمة القانون الجنائي مظهرا ونتيجة لحلول ظرفية قاصرة عن مواجهة الأسباب البنيوية للجريمة ومقتصرة على تغذية -حتى لا نقول صناعة- المزاج القمعي والمخاوف السائدة في المجتمعات المعاصرة. من المتوقع أن يزداد نشاط الجريمة الاقتصادية في عصر العولمة واستحداث أنماط جديدة منها ومستحدثة، نظراً لأن من أهم مظاهر العولمة زوال الحواجز الاقتصادية بين الدول وشيوع النشاط الاقتصادي العابر للحدود الوطنية، ما يجعل سوق الجريمة عامة معولم، وخاصة سوق الجريمة الاقتصادية التي تستفيد من التطورات في مجال التقنيات والاتصالات، حتى غدت غالبية هذه الجرائم إلكترونية أو فضائية، ويعود ذلك إلى تحول البني الاجتماعية والاقتصادية إلى عالمية وإلى معلوماتية وإلكترونية، تجوب مختلف ربوع المعمورة، فالحواجز الزمانية والمكانية لم يعد لها تأثير. فالعمل على تطبيق سياسة مضادة للجريمة والفساد والإرهاب العابر للحدود يستوجب أن يدعم باهتمام قاعدي لبيئة اجتماعية محافظة على قيمها وأعرافها وتهتم بتكوين أفرادها واحترام حقوق التي تنشئ جيلا سليما، متعاونا لبلده وعنصرا فعالا في التنمية والبناء الاقتصادي،ونرى بأن المجرم هو خطوة للفساد والإرهاب، حيث أن المجرمين والإرهابيين والفاسدين متصلون بعضهم البعض، قد استخدموا العولمة -التي تحمل جانبا آخر ايجابيا لم يستغل- فكان سوء الاستخدام لها الخطر الأكثر ممارسة في العالم خاصة في المجتمعات الفقيرة منه والنامية. و عليه فإن عملية التحرير المالي تتمثل في إعطاء السوق المالية الحرية في توزيع و إعادة توزيع وتخصيص الموارد المالية طبقا لقانون و قوى العرض و الطلب، بالإضافة إلى إلغاء القيود على تخصيص الائتمان المحلي وتحرير معدلات الفائدة، وإعطاء البنوك والمؤسسات المالية الحرية في إدارة أنشطتها المالية من خلال إلغاء مختلف القيود والضوابط على العمل المصرفي، وإلغاء تدخل الدولة في القطاع المالي، بالإضافة إلى تحرير المعاملات المتعلقة بحساب رأس المال والحسابات المالية لميزان المدفوعات. و يشمل التحرير المالي نوعين: التحرير المالي الداخلي ( المحلي) و التحرير المالي الخارجي. فالأول يتمثل في تحرير معدلات الفائدة والتخلي عن سياسات توجيه الائتمان وعن الاحتياطي الإجباري، واعتماد أدوات غير مباشرة للسياسة النقدية وتشجيع المنافسة بين المؤسسات المالية، خصصه البنوك العمومية، وفتح النظام المالي أمام المنافسة الخارجية. أما الثاني فيعني التحرر من الحضر على المعاملات في حساب رأس المال والحسابات المالية لميزان المدفوعات، والتي تشمل المعاملات المتعلقة بمختلف أشكال رأس المال مثل الديون وأسهم المحافظ المالية والاستثمار المباشر والعقاري والثروات الشخصية، كما أن تحرير حساب رأس المال يعني إلغاء القيود على معاملات النقد الأجنبي و الضوابط الأخرى المرتبطة بهذه المعاملات ، و ذلك من خلال : تحرير الأسواق المالية من خلال إلغاء الحضر على المعاملات المتعلقة بالاستثمار في سوق الأوراق المالية، و إلغاء القيود و الضوابط على الاستثمار المباشر و العاملات العقارية، وعمليات الائتمان، والمعاملات التي تقوم بها البنوك التجارية، و كذا تحركات رؤوس الأموال الشخصية. أما قوة الدفع هذه باتجاه التحرير المالي قامت الدول المتقدمة و كذا النامية بمحاولات من اجل تحرير قطاعاتها المالية و التحول إلى الانفتاح المالي الذي دفع مسيرة عولمة الأسواق المالية .
الدكتور عادل عامر دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات