أصبحت ظاهرة العولمة حديث العام و الخاص ، و لم تعد حكرا علي المستويات الرسمية فقط ، بل أصبحت محل اهتمام الفرد البسيط والعادي في المجتمع. والعولمة الاقتصادية والتكنولوجية وما أنتجته من حرية حركة السلع ورؤوس الأموال وسهولة الاتصال وتبادل المعلومات ، أدت إلي تفتيت الحدود بين الدول بمعناها الاقتصادي، وأجبرت الدولة الوطنية علي الخضوع والتكيف مع السياسات المالية التي تمليها النظم الاقتصادية العالمية. وبقدر ما قدمته وتقدمه العولمة من حرية تبادل تجاري، و فتح الطريق أمام التقدم التكنولوجي، وتسهيل التكامل والترابط ، بقدر ما أدت إلي نتائج سلبية فإضافة إلي تهميش دور عدة اقتصاديات غير قادرة علي المنافسة ، أدت العولمة الاقتصادية والتكنولوجية إلي التوسيع من نطاق العمل الإجرامي علي المستوي الدولي ، كنشر الصناعات المقلدة ، وغسل الأموال ، والاتجار في البشر، وصعبت إيجاد مكافحة فعالة للجريمة. فكلما زادت العولمة الاقتصادية والتكنولوجية تطوراً زادت مواجهة الأنشطة الإجرامية تعقيداً، ذلك لأن المجتمع الدولي مازال مبنياً علي وجود دول ذات سيادة تتبني مفاهيم وقواعد قانونية مختلفة. فالتعاون الدولي وإن وجد فإنه لا يرقي إلي مستوي تعقد وخطورة الجرائم المرتبطة والمسهلة بالتكنولوجيا الحديثة. . ففي مجال غسل الأموال أدي استخدام نظام التحويل الإلكتروني إلي التقليل من اللجوء إلي خيار النقل المادي للنقود القذرة. فقد أدي نظام التحويل السلكي إلي تمكين المنظمات الإجرامية من التمتع بميزة النقل السريع للنقود بين الدول المختلفة، وفي ذات الوقت تقليل مستويات المخاطرة المصاحبة لعمليات الغسيل إلي مستويات يمكن إهمالها. ومع التطور التكنولوجي وزيادة تسهيلات التحويل السلكي فان قدرة غاسلي الأموال علي أداء هذه العمليات بنجاح تزايدت مع زيادة أعباء المفتشين القائمين علي التحري. من ناحية أخري فان اتساع شبكة الانترنت بصورة خرافية فتح افاقا اكثر للغسيل، بل أدي إلي إنشاء مجموعة من المتعاملين المتخصصين في الغسيل علي الانترنت.. علي سبيل المثال يقدر عدد شركات تحويل الأموال غير البنكية في الولاياتالمتحدة بحوالي 200000 في الولاياتالمتحدة تتخصص في عملية تحويل النقود وإصدار الشيكات السياحية والأوامر النقدية money orders.. وفي دراسة تمت علي ولاية فلوريدا تم التوصل إلي أن مثل هذه الشركات تشارك في عملية غسيل الأموال. ويتزايد بريق عمليات الغسيل بالنسبة لتلك المكاتب لان درجة تنظيم أعمالها ليست مثل البنوك أو المؤسسات المالية الأخري، هذا أن كان لها نظاما من الأصل. مجال الاتجار في البشر تعتبر الانترنت أداة ووسيلة جديدة وباتت جيدة، يستغلها البعض في الأغراض الإباحية والإجرامية ومن بينها الاستغلال الجنسي للأطفال. لكنها علي الجانب الآخر يمكن أن تصبح طريقة مؤثرة لمكافحة هذه الأنشطة الشاذة. هذا التناقض بين عولمة الاقتصاد وارتباط القانون الجنائي بالدولة الوطنية يزداد اتساعاً بزيادة تداخل الاقتصاديات الوطنية و التطور التكنولوجي ، حيث أن بعض الدول الوطنية التي يقف عند حدودها السياسية سريان القانون الجنائي تم تجاوزها اقتصاديا و تكنولوجيا. . فبينما تطور السلطات الوطنية وسائلها في نطاق الحدود السياسية لدولها ، مع تعاون دولي أمني قضائي ، تطور التنظيمات الإجرامية هي الأخري و في ذات الوقت وسائلها علي مستوي دولي سريع متطور، ما يعني استفادة التنظيمات الإجرامية من هذا التعارض بين إقليمية القانون الجنائي وعولمة التطور التكنولوجي للحد من فعالية الملاحقة الجنائية لأنشطتها. فالإشكالية المطروحة تكمن في تجاوز وسائل ارتكاب الفعل الاجرامي لوسائل مكافحته،نظراً لوجود اختلال في التوازن لمصلحة النشاط الإجرامي بسبب إقليمية القاعدة الجنائية لذلك نري : 1- ضرورة التعاون و التنسيق الثنائي والاقليمي والدولي بين بلدان العالم للتصدي للجريمة المنظمة. 2- العمل علي تدريب القوي البشرية الأمنية مع استعمال التقنيات الحديثة لمواجهة مثل هذه الجرائم عن طريق التعاون مع الجهات المعنية مثل الانتربول و اليوروبول. 3- ضرورة قيام جميع بلدان العالم بالتصديق علي اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية, و اتفاقية بودابست الخاصة بمكافحة الجريمة الاليكترونية. 4- ضرورة تصديق الدول العربية علي الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود و تفعيل التعاون بين أجهزة الأمن العربية وإنشاء إدارات أمنية متخصصة لمكافحة مختلف أنشطة الإجرام المنظم عبر الوطني التقليدي والمستحدث . 5- السعي لتوظيف شبكة المعلومات الدولية" الانترنت" لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية من جانبين: - العمل علي تأمين هذه الشبكة من الجماعات الإجرامية المنظمة - توظيف هذه الشبكة في عملية المكافحة و الحد من ارتكاب الجرائم .. 6- دعم مراكز البحوث الشرطية وأدائها لدورها في رصد و تتبع الإجرام المنظم عبر الوطني و جمع كل ما يتعلق به من بيانات و معلومات تساعد في مكافحته. 7- تفعيل دور الإعلام في التوعية عن الجريمة المنظمة عبر الوطنية عن طريق حملات التوعية الموجهة نحو الفئات المستهدفة بذلك . 8 - التعاون بين الجهات الحكومية و أفراد الشعب علي المستوي القطري لان مواجهة الجريمة المنظمة عبر الوطنية مسئولية مشتركة بين جميع الجهات. 9 - تعزيز قدرات الأممالمتحدة للرقابة الدولية علي الاتجار في البشر و تجارة المخدرات بصفتها هيئته التشريعية. 01- سرعة إصدار تشريع متخصص لردع مرتكبي جرائم الوسائط الاليكترونية و شبكات الاتصال. كاتب المقال : رئيس البرنامج القومي للإصلاح التشريعي بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء