على بركة الله، يبدأ المصريون اليوم الجمعة رحلة التصويت لانتخاب رئيس جمهورية لأول مرة فى تاريخ الجمهورية المصرية، إذ لم يكن هناك أى انتخابات فيما سبق منذ 1952 وحتى الآن، وإنما مسرحيات يتم إعدادها مسبقا لزوم التصوير والاحتفالات الفلوكلورية لتدشين حكم "الفرعون" الجديد، الآن المصريون يختارون رئيسهم للمرة الأولى فى انتخاب حر وشفاف، وهو ليس شفافًا ولا نزيهًا لإرادة أحد، وإنما لإرادة شعب بكامله وثورته، التى تمثل رقابة صارمة قبل أى رقابة على نزاهة الانتخابات، اليوم يبدأ المشوار بتصويت المصريين فى الخارج، وفى الحالة المصرية الآن يصعب اتخاذ اتجاهات التصويت فى الخارج مؤشرًا على اتجاهات الداخل لاعتبارات ثقافية ونفسية واجتماعية وطبقية أيضًا يطول شرحها، لأن النخبة التى تصوت فى الخارج تختلف بشكل ما عن المحيط العام الذى يشارك بالتصويت فى الداخل، والإحصائيات الرسمية تقول بأن عدد من يحق لهم التصويت حاليًا فى الخارج حوالى نصف مليون مواطن مصرى، رغم أن هناك عشرة أضعاف هذا الرقم، ولكن الذين سجلوا أسماءهم بالفعل هم نصف مليون، ولا يسمح القانون بنشر نتيجة التصويت فى الخارج قبل إعلان النتائج النهائية الكاملة للانتخابات، حتى لا يتخذها أحد أداة للدعاية والتأثير، وأى مرشح سيقدم أى معلومات أو أرقام عن نسبته فى التصويت، الذى سيتم ابتداء من غد لن يكون صحيحًا أبدًا ولا يملك أى مصداقية، مجرد فرقعات ستكون مصحوبة بالعبارة التقليدية: مصدر رفيع بالعليا للانتخابات.. أقولها من الآن لأن اللعب "على ودنه" هذه الأيام فى الصحف الحكومية وصحف الفلول، والاستطلاعات "المضروبة" أصبحت برنامجًا يوميًا فى تلك الصحف، والمؤسف أن تتورط مراكز أبحاث تابعة لبعض الصحف الكبرى فى هذه اللعبة المفضوحة، ولكن ماذا نقول إن كان الفلول ما زالوا يسيطرون على تلك المراكز والصحف ذاتها، ولكنهم يبدو أنهم ما زالوا غير مستوعبين أن "المصريين" تغيروا فعلا ولم يعد من السهل خداعهم بمثل هذه الألاعيب المكشوفة، غير أن المؤكد أن لجوء "الفلول" إلى مثل هذه الألاعيب يكشف عن إحساسهم بالعجز الكامل عن "اللعب" فى جوهر الانتخابات، كما كانوا يفعلون سابقًا، حيث كانت تتحالف المؤسسة الأمنية مع المؤسسة الإعلامية مع المؤسسة الحزبية مع مؤسسة "البلطجة" لإخراج الانتخابات "المضروبة" من المنبع. وبدون شك فإن أحداث الأيام القليلة الماضية تجعلنا نقف بكل إجلال وإكبار أمام الفقيه القانونى النبيل المستشار طارق البشرى، الذى كان يملك البصيرة والاستشراف المستقبلى، وهو يضع نصوص التعديلات الدستورية، وخاصة المادة 28 التى أساء كثيرون فهمها على وجهها الصحيح، ولو لم تكن هذه المادة موجودة لتم التلاعب بالانتخابات عشر مرات فى الأسبوع الواحد، وحتى بعد إنجازها يتم التلاعب بوقف إعلان النتيجة وأمور أخرى بناء على أحكام إدارية فى أمور فرعية جدا، ولكن لها وجه قانونى، ويصبح موقع رئيس الجمهورية ريشة فى مهب الريح يتلاعب بها أى أحد، ولا ننسى أن واضع هذه المادة هو أحد الرموز التاريخية لقضاء مجلس الدولة والنائب الأول لرئيس المجلس ورئيس الجمعية العمومية للفتوى والتشريع فى المجلس، فهو يعرف جيدًا ماذا يقصد، تحصين قرارات اللجنة العليا كان قرارًا صائبًا جدًا، صحيح أن تشكيلها يحتاج المزيد من الضبط فى السنوات المقبلة، ولكن تحصينها هو تحصين للعملية الانتخابية بكاملها وحمايتها من "التسالي" القانونية أو عمليات استعراض العضلات والشو الإعلامى، فضلا عن تربص الفلول الذين أقاموا احتفالية كبيرة ليلة أمس بصدور حكم للقضاء الإدارى، وعمت فضائياتهم وصحفهم الأفراح والليالى الملاح مرددين أن الانتخابات قد توقفت، ونشرت صحيفة قومية فلولية كبرى فى صدر الخبر تقول: الانتخابات الرئاسية التى (كان) من المقرر إجراؤها يوم كذا وكذا، فمن فرط الاستعجال اعتبرت أنها أصبحت تاريخًا.. كان!! [email protected]