شعرت بالانبهار وأنا أتابع وقائع الأيام الأخيرة من الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في تركيا ، حزب العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى ، كل منها يحشد أنصاره بمئات الآلاف في الميادين في استعراض للقوة والحشد المعنوي ، ولكن الجميع يعرف أن "صندوق" الانتخاب هو الحكم وهو الفيصل وهو مانح المشروعية لأعضاء البرلمان ، ومن ثم مانح المشروعية للحكومة الجديدة المنتظرة ، الجميع هناك يعرف أن حزب العدالة صاحب التوجه الإسلامي هو المرشح للفوز باكتساح ، وللمرة الثالثة على التوالي ، ولذلك هاجموه بضراوة واتهموه بكل نقيصة وكان الضرب تحت الحزام ، ولكن الجميع في النهاية عليه أن يحترم اختيار الناس وإرادة الشعب ، لأن أحدا ليس وصيا على الشعب ، ولم يفز حزب العدالة طوال هذه المدة ويحقق كل هذا النمو بسبب أنه ذو توجه إسلامي أو محافظ أو أن زوجة رئيسه محجبة ، وإنما لأنه حزب سياسي حقق نهضة اقتصادية وتنموية وقانونية وسياسية هائلة لتركيا خلال عشر سنوات أو أكثر قليلا ، تستطيع أن تلمسها في الطفرات المذهلة لمداخيل الناس ، الموظفين والعمال والإداريين وكل خلايا المجتمع التركي ، وتراها بعينك في طفرات الطرق والبنية الأساسية والرفاهية التي تظلل تركيا . وعندما تقارن هذا بما يحدث في مصر الآن ترى عجبا ، بعض القوى السياسية التي تعرف أنها لن تفوز في الانتخابات أو تحقق أغلبية أو حضورا مناسبا ، تريد بكل سبيل أن تؤجل الانتخابات أو تلغيها ، وبكل بجاحة سياسية يعلل السبب بأنه "غير جاهز" للانتخابات ، وبعضهم يهدد باستعراض أنصاره في الشارع ، كنوع من البلطجة السياسية على شعب بكامله ، والجميع يعرف أن التيار الإسلامي إذا رغب في استعراض للقوة فإنه يمكنه أن يحشد عدة ملايين في ليلة واحدة ، ومع ذلك ، فليس من حقه أن يفرض إرادته السياسية بمثل هذا الحشد أو الاستعراض ، وإنما باللجوء إلى الشعب نفسه من خلال أدوات ديمقراطية سليمة وقانونية ونزيهة ، وهذا لا يكون إلا في الانتخابات . كما أن هذه القوى التي تريد إفشال المشروع الديمقراطية بدعوى أنها غير مستعدة للانتخابات ، تعلم علم اليقين ، أن أي مزيد من الوقت لن يكون في صالحها أبدا ، على المستوى الشعبي ، وإنما هو في صالح التيار الإسلامي ، فإن كان هناك من ستتزايد قوته وحضوره الشعبي إذا تأجلت الانتخابات فهم الإسلاميون بكل تأكيد ، ولا أحد يمكنه أن يزايد على تلك الحقيقة ، غير أن الضريبة التي سوف يدفعها الوطن كله آنذاك ستكون مروعة لأن الغموض هو سيد المشهد ، ويستحيل أن توجد وقتها "دولة" قوية أو ذات حضور في ظل غياب الاستقرار ، ويستحيل أن تتحرك آلية تنمية أو استثمار محلي أو دولي في ظل هذا الغموض ، ويستحيل أن يخلص عامل أو موظف أو رجل أعمال في عمل أو يبني للمستقبل وهو يعرف أن غدا مفتوح على المفاجأة التي يمكن أن تقلب الأمور رأسا على عقب ، إضافة إلى فراغ سياسي وأمني خطير قد تشهد مصر فيه ملامح "مافيات" على طريقة أمريكا اللاتينية في الثمانينات بتزاوج البلطجة مع محترفين أمنيين حاليين وسابقين مع رجال بيزنس تعيث فسادا في البلاد ، وسوف يترحم الناس حينها لا قدر الله على أيام مبارك السوداء ، وبالمقابل لو بقي هؤلاء "المشاغبون" والخائفون من الديمقراطية بمثل هذا الأسلوب ثلاثين عاما أخرى مثل التي مضت في عصر مبارك ، فلن يحققوا شيئا ، إلا أن يخوضوا المعترك الديمقراطي ممارسة ، ثم يعالجون أخطاءهم باستمرار ، ويتواصلون مع المجتمع من أجل كسب ثقة الناس وتحقيق اختراق حقيقي في جذر المجتمع وليس عبر "منظرة" الفضائيات . هؤلاء الكتاب والمثقفون الذين يضيعون أوقاتهم ، في صحف رجال الأعمال الخاضعين لتحقيقات الفساد وفضائياتهم ، بأحاديث "هلفطة" قانونية لمجرد الشغب على دلالة الاستفتاء الدستوري ، بحيث ينتهي الأمر في كلامهم إلى أن الاستفتاء كان مجرد "هزار" بيهزر فيه الجيش والدولة مع الناس ، وليس استفتاءا دستوريا ، وأن الطوابير التي شاهدها العالم كله تقف بمئات الأمتار تنتظر دورها للتصويت على "معنى" وليس على أشخاص ، هذه الطوابير المليونية على امتداد بر مصر "شربت مقلب" في برنامج الكاميرا الخفية!! ، .. هذه المسخرة والكلام السخيف لا يليق أن يتحدث به العقلاء ، وعلى الجميع أن يبدأ من الآن في الاستعداد للنزال الديمقراطي القادم في الانتخابات البرلمانية نهاية سبتمبر المقبل ، حسب ما قرر الشعب ، صاحب السلطة والمرجعية الوحيد في هذا البلد . [email protected]