بعد تسع ساعات فقط من ظهور "مانشيت" المصريون قبل فجر الخميس الماضي والذي تحدث عن مخاوف من وجود "ميليشيات أمنية رسمية" تهدد باستهداف نشطاء سياسيين قبل انتخابات مجلس الشعب المقبل ، أصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه أنها ألقت القبض على "بلطجي" هدد المهندس ممدوح حمزة وعائلته بالقتل على هاتفه المحمول ، وحدثني كثيرون صباح الخميس عن هذا الارتباط ، وأنه محاولة لاستيعاب القلق الواسع الذي بدأ يتسرب إلى الحياة السياسية من سلوك بعض الجهات داخل وزارة الداخلية بعد تكرار حوادث الاعتداء على نشطاء سياسيين وقيادات بالمعارضة وسحلهم في الشوارع أو سرقة سياراتهم وحقائب مستنداتهم دون أن نسمع أي صدى لتلك الأحداث أو متابعة أمنية لها أو تحقيقات . وفي اليوم التالي ، أمس الجمعة ، أعلنت وزارة الداخلية أنها استطاعت أن تعيد سيارة الدكتور محمد البلتاجي ، قيادي جماعة الإخوان والأمين العام لحزب الحرية والعدالة الذي تعرض لهجوم بلطجية على الطريق الدائري انتهى بالاعتداء عليه وسرقة سيارته، وذلك بعد صمت لمدة أسبوع تقريبا على الواقعة ، وكان الإعلان عن إعادة السيارة غريبا وغامضا ، إذ أنه لم يتم ضبط أي شخص في هذه الواقعة ، نسبتها الوزارة إلى "بلطجي" هارب من أحد السجون ، ورغم أن ضباطها اتصلوا به حسب بيان الوزارة وتفاوضوا معه متنكرين حول شراء السيارة إلا أنه "هرب" منهم !!، ولكنه للمصادفة الجميلة ترك السيارة وبالتالي أعادتها وزارة الداخلية إلى صاحبها . جميل أن تتنبه "جهات" في وزارة الداخلية إلى خطورة هذه "اللعبة" ، والآن تحديدا ، وأن ما كان يمكن أن يمر في العهد السابق لن يمر الآن ، ولن تسمح به القوى السياسية وجيل الثورة المنتصرة ، ولكن الأجمل أن تكون هناك عيون الثورة وقواها الحية مفتحة على هذا الجانب ، وأعتقد أن نشاط وزارة الداخلية ورجالها في حاجة إلى جهود كبيرة من المجتمع الأهلي ، ومنظماته الحقوقية والرقابية المختلفة ، ليس من باب الترصد ، وإنما من باب الحماية لمؤسستنا الأمنية من أن تكون عرضة للاختطاف من بعض الموتورين ، من ضباط العهد البائد ، الذين ما زالوا يعششون في مراكز حيوية بالوزارة ، والذين ما زالوا يتصرفون ويفكرون بمنطق "الهزيمة" أمام الشعب ، وبالتالي تحركهم نوازع رد الفعل والانتقام ومحاولة احتواء المرحلة وإعادة حسابات وموازين مرحلة القمع والاستباحة . من المؤكد والبديهي أن المؤسسة الأمنية بها رجال وافرو الاحترام والوطنية في كل مستوياتها ومعظم قطاعاتها ، ولم يكونوا جزءا من النظام السابق بفساده واجرامه ، بقدر ما كانوا يؤدون دورهم الوظيفي المنوط بهم ، وبعضهم يضحي بحياته ومصالح أهله من أجل حماية مقدرات الوطن والمواطن ، ومن المؤكد أن هؤلاء لا يشعرون بعداء خاص مع الثورة ولا أنهم كانوا في خصومة مع الشعب ، بل إن هذه الثورة في بعض تجلياتها ونتائجها ستكون إضافة لهم ولأسرهم وحقوقهم واستقرارهم الاجتماعي ، ومن المهم توفير الدعم المعنوي والسياسي والإعلامي لهؤلاء ، مقابل ردع وتحجيم وكشف فلول النظام السابق في المؤسسة الأمنية . إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتطهير المؤسسة الأمنية بالكامل تأتي في قمة أولويات المرحلة الحالية ، نظرا لأن هذه المؤسسة لم تكن مجرد جهاز شرطي ، بل كانت متغلغلة في جميع مناحي الحياة في مصر ، وعلى كل المستويات وتديرها بالكامل تقريبا ، وكانت تقيم جسور اتصال واختراق واسعة مع شخصيات وكتاب وصحفيين وسياسيين وقيادات حزبية وبرلمانيين وشخصيات دينية وأكاديميين ورجال أعمال ، وتملك خبرات خطيرة في إدارة ملفات سياسية واجتماعية ودينية وتعليمية وثقافية وإعلامية متشعبة ، ولها رجال كانوا يدينون لها بالولاء المطلق في كل هذه النواحي ، من أول البلطجية في الشوارع إلى قيادات حزبية أو أكاديمية ، وبالتالي يكون من الأهمية بمكان قطع هذه الروابط بشكل حاسم ، وإخضاعها للمساءلة القانونية في وقت مبكر ، ولأي خطأ مهما بدا صغيرا ، لتمزيق ما تبقى من هذه الروابط ومنع تبلورها في المستقبل ، معركة الثورة ستكون طويلة ، وتحتاج إلى حكمة وعقل ومتابعة دقيقة وصبر وإصرار ، لكنها محسومة بإذن الله لصالح الوطن كله . [email protected]