القصف الأمريكي في سوريا والعمليات العسكرية الأمريكية في سوريا أرضا وجوا ليست شيئا طارئا ولا جديدا ، فهي تحدث يوميا منذ عامين ، لكن الجديد فيه هذه المرة أنه وجه إلى معسكر تابع لنظام بشار الأسد ، فسوريا ، بفضل زعيم "المقاومة والممانعة" تحولت إلى بلاد مستباحة من طيران وقوات عشرات الدول ، بل وصل الحال بهذا الطاغية المجرم إلى حد أن استعان ضد شعبه ، ليس فقط بحكومات أجنبية ، وإنما بميليشيات إجرامية غير قانونية ، مثل ميليشيات حزب الله اللبناني وجماعة النجباء العراقية وميليشيا الهزارة الشيعية الأفغانية ، وقد أحصى بعض الباحثين عدد تلك الميليشيات الطائفية التي استدعاها النظام لتدنيس التراب السوري بحوالي ستين منظمة وميليشيا ، هذا فضلا عن تسبب سياساته العدوانية البشعة ضد شعبه ، ورفضه الاستجابة لأي مطالب للحرية أو الكرامة أو التعددية أو الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية ، تسبب في تمزيق سوريا واستقطاب تنظيمات إرهابية مسلحة مثل داعش ، ومكنها من الاستيلاء على مدن ومحافظات ومطارات ، وبالتالي فعندما يتحدث بشار الأسد أو داعموه مثل بوتين عن انتهاك السيادة في سوريا فهو كلام أقرب للنكت والكوميديا منه إلى الحديث السياسي الجاد . بشار الأسد لا يملك شرعية في سوريا عندما ورث أباه في دولة نظامها جمهوري بانتخابات مزورة حصل فيها على أكثر من 99% ، على الطريقة العربية القديمة الشهيرة ، كما أنه فقد شرعيته من جديد عندما واجه ثورة شعبه ضده في الربيع العربي بالدبابات والطائرات والمدفعية والصواريخ ، وفي الأخير باستخدام السلاح الكيماوي مرات عديدة ، آخرها جريمته في "خان شيخون" حيث قصف المدينة بغاز السارين السام فقتل عشرات الأطفال والرجال والنساء في مشهد هز ضمير العالم ، كما جعل شعوب العرب تستذكر أن جيش الصهاينة نفسه لم يستخدم مثل هذه الكيماويات السامة ضد الشعوب العربية أثناء الحروب ولا حتى ضد الجيوش ، بينما استخدمها بشار الأسد ضد شعبه . الضربة الأمريكية المحدودة أمس على مطار عسكري من مطارات شبيحة بشار هو إحراج لراعيه "بوتين" أكثر منه ضرر مباشر كبير لبشار ، وقد اختار العسكريون الأمريكيون مطار الشعيرات باعتبار أنه المطار الذي انطلقت منه الغارات التي قصفت "خان شيخون" بالغازات السامة ، وكان المجرم بشار قد قصف شعبه قبل سنوات بالسلاح الكيماوي فأمر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بتحريك السفن في المتوسط والاستعداد للقصف ، فقام بشار برفع الراية البيضاء وأعلن تسليمه لما لديه من ترسانة سلاح كيماوي ، لكن كان من الواضح أنه "ادخر" جزءا ليس صغيرا منها لمزيد من القتل والدمار لشعبه بمن فيهم الأطفال الأبرياء . السعادة الغامرة التي انتشرت بين ملايين السوريين ورصدتها وسائل الإعلام المختلفة كانت بسبب إدراكهم أن بشار عدو شعبه وخائن وطنه ، وأن تلك الطائرات مخصصة لقتل الشعب وتدمير المخابز والمستشفيات والبيوت والمساجد وقتل النساء والأطفال بشكل يومي ، وهي طائرات لم تهاجم ولو مرة واحدة منذ شرائها هدفا صهيونيا ، فقط وحصريا استخدمت لقمع ثورة الشعب السوري وتأديب من تمردوا على بشار وحكم الطائفة ، فملايين السوريين فرحوا لأن الأذى سيقل نسبيا ، والموت سيتقلص نسبيا ، وبعض الأطفال يمكن أن ينجوا من مسلسل القتل اليومي الذي تمارسه طائرات المجرم ، ومع الأسف ، هناك قناعة سورية واسعة بأن طيران بشار أكثر خطورة على الشعب السوري من طيران العدو الإسرائيلي الصريح ، وشهادات الواقع العملي طوال ست سنوات من عمر الثورة تؤكد ذلك ، بل إن الطيران الإسرائيلي عندما كان يضرب بعض أهداف حزب الله داخل سوريا ، يتحرك بعدها طيران بشار ليس للرد على العدوان وإنما للانتقام من المدن السورية نفسها ، وقصف الشعب المسكين . القصف المحدود الذي أمر به الرئيس الأمريكي ترامب حظي بما يشبه الإجماع الدولي على الترحيب به وأنه عمل كان أخلاقيا وضروريا بعد الجريمة التي ارتكبها بشار ضد شعبه ، الاتحاد الأوربي بكامله أعلن تأييده ، ولندن وباريس وبون وافقوا عليها ببيانات منفردة ، واليابان أيدتها ، ودول الخليج العربي بالكامل أيدتها ، والأردن في بيان رسمي أيدها ، إضافة إلى تركيا أيضا ، ولم يحتج عليها سوى روسيا التي شعرت بالإهانة ، لأن "صبيها" صفع صفعة مهينة وهو في حمايتها ، وإيران التي تتحالف مع بشار على أسس طائفية صريحة ، وهذا الإجماع العالمي على تأييد تلك الضربة يعني إحساسا دوليا متناميا بالقلق من استخفاف نظام بشار الأسد بكل القيم الأخلاقية ، وإحراجه للعالم بمسلسل القتل والاستباحة لشعبه بصورة يومية ، كما أن هناك إدراكا واضحا بأن تلك الممارسات الوحشية التي يرتكبها تمثل دعما سياسيا ومعنويا للكيانات الإرهابية ، ويعوق الجهود الدولية لتصفية الإرهاب وتجفيف منابعه . الضربة الأمريكية لم تكن فقط لتأديب بشار بعد جريمته ، كان هذا هو السبب المباشر فعليا ، ولكن المؤكد أن ترامب أراد أن يقدم نفسه في صورة الرئيس الحاسم وغير الضعيف ، بعد اهتزاز صورته في الداخل الأمريكي مؤخرا ، وكذلك لكي يمحو عن نفسه وصف التابع لبوتين بعد الاتهامات الأخيرة لحملته الانتخابية بأنها كانت مخترقة من أجهزة بوتين . الضربة المحدودة لا تنتظر عواقب سياسية أو عسكرية ذات شأن إقليميا أو دوليا ، ولكنها بالتأكيد ستمثل عامل ردع كبير لبشار الأسد وعصاباته بأن أي جريمة جديدة لهم لن تمر ، وقد تكون عواقبها أكثر خطورة في المرة القادمة ، كما أن عملية التترس بمجلس الأمن وتكبيله عن اتخاذ قرارات ضده لم تعد لعبة كافية لحمايته ، فالأمريكيون تصرفوا بدون انتظار قرار من مجلس الأمن . https://www.facebook.com/gamalsoultan1/