كنت تقلب النظر في شاشات القنوات الفضائية العربية والأجنبية صباح أمس فتصدمك صور جثث الأطفال الذين قتلوا بالغازات السامة إثر غارة إجرامية لطيران الطاغية بشار الأسد على مدينة "خان شيخون" في شمال سوريا ، لم تكن تلك الجريمة الوحيدة له إذ يقصف شعبه بالسلاح الكيماوي الذي تعفف "الصهاينة" عن استخدامه في حروبهم ضد العرب ، ولكن حاكما عربيا استخدمه لقمع ثورة شعبه ضده بعد أن استنفذ مرحلة سحق الناس بالدبابات والقصف بالبراميل المتفجرة ، فوصل إلى مرحلة قصف شعبه بالأسلحة الكيماوية ، ومن لطف الله بالشعب السوري أن بشار الأسد لا يملك السلاح النووي ، وإلا ما كان ليتورع عن استخدامه ضد شعبه لكسر إرادته حتى لو لم يبق في سوريا حجر على حجر ، لأن التواطؤ الدولي أغراه بالتوغل في الجرائم آمنا من المساءلة . كانت الأعين تهرب من الشاشات ، منظر جثث الأطفال وهي مرصوصة كما الأسماك النافقة مرعب ومثير لأقصى درجات مزيج الكآبة والحزن والغضب ، لم يكن بد من غلق الشاشات بكاملها للهروب من وجع القلب ، هذا مشهد لا يطاق ، وتعجز الكلمات عن وصفه والتعبير عن المشاعر فيه . في تاريخ الحروب مع الصهاينة كنا ندرس في مناهج التعليم ونحن صغار درسا بعنوان "مذبحة بحر البقر" ، وكانت حالة نادرة في تاريخ الصراع ، إذ قصف الطيران الإسرائيلي مدرسة للأطفال قرب مدينة القنطرة ، وظلت صور الفصول والكتب المبعثرة والأقلام عالقة بأذهاننا طويلا ، والحقيقة أن "مذبحة بحر البقر" أصبح لها ألف نسخة في سوريا خلال خمس سنوات ، سواء من قصف طيران بشار الأسد أو من قصف حليفه الطاغية فلاديمير بوتين ، وكان بوتين مثل بشار يستخدم طريقة الإرهاب الكلاسيكي ، إذ يتخذ المناطق المدنية ومنشآتها رهينة لتركيع المعارضة المسلحة ، فكان يركز قصفه على المخابز والمستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والمساجد ، لكي يدمر معالم الحياة ويحولها إلى جحيم ، هي معركة لا صلة لها بالشرف ولا الأخلاق ، هي سلوك إرهابي نمطي ، يختطف المدنيين ويقايض عليهم ، توقفوا وإلا قتلناهم . لم يأت التليفزيون المصري على ذكر لما جرى ، كان في واد آخر ، وهو يتسق مع انحياز النظام مع الأسد ، حيث يفزع البعض هنا من إمكانية انتصار الثورة الشعبية في سوريا على بشار ، لكن الأكثر مرارة أن المؤسسات العربية المعنية إلا قليلا التزمت صمت الخرفان ، فلم ينطقوا بكلمة ، وكأن ما يحدث هناك مشاهد سينمائية من فيلم رعب هوليودي ، وليسوا بشرا من لحم ودم ، وليسوا أطفال العرب والمسلمين ، لا أصدق أن أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية حتى هذه الساعة لم يصدر أي بيان يدين المجزرة الإجرامية ، كان أبوالغيط الشهر الماضي مشغولا مع داعميه لمحاولة فرض دعوة الطاغية السوري المجرم بشار الأسد لشغل كرسي سوريا في القمة العربية الأخيرة في عمان ، لكنه فشل ، واليوم لا يملك مسحة من حياء أن يخرج بيانا عربيا عن المذبحة التي لحقت بأطفال "خان شيخون" في سوريا ، وهي المذبحة التي أدانها العالم كله وخرجت الصرخات من لندن وباريس وبون وواشنطن وتحركات في مجلس الأمن للتنديد بها وبمرتكبها ، حتى أن بنيامين نتانياهو نفسه أدان الجريمة الشنعاء بألفاظ عنيفة ، وهو المجرم المحترف ، نتانياهو "الصهيوني" أدانها ، لكن أبو الغيط "العربي" صمت أمامها . مصر الرسمية ، رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء ، أو حتى الخارجية ، تجاهلت الجريمة ، وهذا مفهوم للاعتبارات التي أشرنا إليها سابقا ، لكن الأحزاب المصرية التي تملأ الفضاء بأشعار الحزن وصيحات الغضب لوفاة سجين أو مقتل معارض ، وهو موقف جدير بالتضامن حتما ، لكن إنسانيتهم لم تتسع لتدين قتل طاغية مجرم لأطفال شعبه جماعيا في "خان شيخون" ، وهو أمر يطرح علامات استفهام كبيرة عن مدى إيمان نشطاء مصر بالحرية والكرامة والإنسانية والعدالة وكل القيم النبيلة ، وما معنى أو مشروعية انتسابنا إلى الربيع العربي أو ثورة يناير . كذلك مؤسسة الأزهر ، مع الأسف ، صمتت حيال المذبحة ، وهي المؤسسة التي كرمت فتاة إيزيدية عراقية لأن داعشيا مجرما اغتصبها ، لكن العشرات من أطفال سوريا الذين يقتلون في مذبحة جماعية بتلك الوحشية لا مكان لهم في "الدين" فيما يبدو ، ودار الإفتاء التي تتحفنا بالتعليق على الشؤون العسكرية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية والإرهاب من الصين إلى نيكاراجوا ، وضعت رأسها في الرمال مثل النعامة ، ربما لأنها لم يؤذن لها بالكلام هنا عن دماء المسلمين . ثورة الشعب السوري التي تدفع ضريبة الدم يوميا على مدار ست سنوات ، فضحت الجميع ، وعرت الجميع ، عندما تركت نهبا لنظام طاغية وحشي لم يعرف العرب له مثيلا من قبل ، ومنظمات إرهابية وحشية هي الأخرى جرى توظيفها إقليميا لمحاولة إفشال ثورة الشعب النبيلة وإضاعة بوصلتها في أولويات مزعومة لمواجهة الديكتاتورية أم الإرهاب . https://www.facebook.com/gamalsoultan1/