فيما أطلق عليه بالأزمة التى أحلت بالعلاقات (المصرية – السعودية) وجدت كثيرًا ممن لا أريد أن أرتاب فى حُسن نيتهم وكأنهم فى مُسابقات لنيل جائزة للكتابة.. منهم انحاز للجانب السعودى وكأنه يُقبل الأقدام قبل أيادى الأشقاء.. ومنهم اتخذ من الشوفونية المصرية سبيلاً للدفاع الاستباقى.. وبعضهم التف حول حقائق نحن فى مرحلتنا الراهنة أحوج ما نكون فيها للشفافية، التى افتقدناها لسنوات طويلة بفعل غُمة نظام مبارك، الذى نشر كثيرًا من الظلمات حول علاقات مصر بأشقائها العرب، لأسباب منها المجهول والبعض نعرفه، وإن كان منقوصاً أو مشوهاً فى حالات بعينها. لقد انطلقت غالبية الأقلام من أن الشرارة الأولى للأزمة التى تسببت فى تعكير صفو العلاقات المصرية السعودية جاء نتيجة القبض على مصرى بالسعودية بتُهمة (.......) ولا أريد قول إنها كانت بمثابة الشعرة التى كادت تقصم ظهر البعير، لأن الصدق يفرض علينا ذكر أنه سبق ذلك احتقانات، تأجلت بفعل كثير من الأحداث، تقتضى الشفافية والأمانة، أيضاً ذكر أن الماضى "بالتحديد الفترة الزمنية التى سبقت ثورة 25 يناير" اختزنت وقائع لمشاهد وحوادث حقيقية، بقيت فى الذاكرة التصويرية، واحتفظت بها الأذهان كمواقف تسجيلية خلت معالجتها من الاعتدال فى التناول، وافتقرت للعدالة فى الأحكام، وأتمنى أن يتسع صدر العُقلاء ويتحلوا بالصبر، ويتخلوا عن مشاعر الحساسية المٌفرطة. اتضح فى بداية الأزمة أنها تفجرت عقب تزايد انفعالات شباب المتظاهرين والمحتجين أمام مقرات البعثة الدبلوماسية السعودية بالقاهرة والإسكندرية والسويس، وتفاقمت بسبب بطء الساسة المعنيين فى البلدين باتخاذ قرارات، يرى البعض أنها كانت من الممكن مساهمتها فى إخماد الفتيل الذى أشعلها، وحسمها فى وقت مُبكر، سواء كانت انفعالات المتظاهرين تلقائية أو "كما قيل ويتردد هناك من يُحركها من الخلف. بعض من وسائل الإعلام فى البلدين تعاملت مع الأزمة منذ بدايتها بأساليب لامسئولة، حيث جاءت عمليات نقل الأخبار والمشاهد الاحتجاجية أمام السفارة السعودية، تشعل مزيدًا من النيران فى الهشيم، مشاهد أثارت غضب أشقائنا فى السعودية نتيجة التعدى على حُرمة أبنية البعثات الدبلوماسية لبلدهم، وأثارت فى ذات الوقت حماس أدى لمزيد من التحريض فى أوساط شباب لا يرى أبعاد إفساد علاقة مصر بالسعودية، يأتى ذلك فى وقت يشهد مشاعر اجتماعية ساخنة متأججة فى مصر بعد الثورة، هى مشاعر قائمة حتى اليوم تتسبب فى كثير من الأزمات الداخلية والصدام بين المصريين وبعضهم البعض على كافة المستويات، وكان من الصواب مُراعاة تلك الجوانب الاجتماعية والنفسية، التى يمر بها الشعب المصرى خاصة الشباب، وهنا وقعت بعض من وسائل إعلام البلدين فى سقطة مهنية أدت لسوء تقدير الموقف برمته. انتشرت عقب ثورة يناير 2011، فى مصر كثير من الأقوال التى ترددت فى وسائل الإعلام، وتناقلها رجُل الشارع، منها أن بعض الدول الخليجية ومنها السعودية تساعد عناصر الثورة المُضادة فى مصر، وتمد جماعات بعينها بالمال لوأد ثورة مصر خشية انتقالها إلى ربوع المملكة العربية السعودية، وجاءت وقائع تطوع بعض المحامين من الكويت الشقيقة للدفاع عن المخلوع مبارك لتؤكد بعض مما يتردد "بغض النظر عن كونه حقيقة أو شائعات كاذبة"، يأتى ذلك فى وقت يشعر فيه مواطنون مصريون بالمرارة، إزاء تنازلات شهدتها فترة حُكم نظام المخلوع مبارك، يرى فيها المصريون إهداراً لكرامتهم الإنسانية والوطنية، حيث حدثت فى الماضى تجاوزات من أشقاء سعوديين فى مصر، ساعدتهم بطانة النظام على خرق القوانين المحلية المصرية، وهو أمر رفضه خبراء علوم النفس والاجتماع فى البلدين، انطلاقاً من يقين أن هذا السلوك غير العادل يترك مرارة فى النفوس، وغضب واحتقان يؤجل ثم ينفجر اجتماعياً نتيجة أسباب تنعش ذاكرة الغضب. لا أريد هنا أن أذكر حادثًا بعينه، لأننا لسنا بصدد تصفية حسابات، ولا نريد أن نبكى على اللبن المسكوب، فقط نريد التعقل والتحلى بالحكمة ونستفيد من التجارب حديثها وسابقها، ونريد أن تتسم علاقة مصر بالسعودية حكومة وشعباً بالعدالة والاحترام، دون مُجاملة لأى طرف على حساب الآخر ولو بشق تمرة. [email protected]