كثير من الأخطاء ارتكبها البعض فى تناول وتقييم الأزمة التى ألمت بعلاقة السعودية بمصر ، منها النظرة الآحادية التى تتسم بالإنحياز لطرف ضد آخر ، وأخطرها مقالات كُتاب المُجاملات فى كل من مصر والسعودية ممن لهم أهواء شخصية لا يخفى على أحد بعض من تفاصيل مآربها وتوجهات هؤلاء ، وسيف التاريخ عادة لا يرحم أصحاب المصالح الشخصية ، والأهداف الفردية النفعية الرخيصة ، التى يسعوا لتحقيقها على حساب المصالح القومية العُليا " عربية وإسلامية " لشعوب المنطقة . وهناك من يلقى باللوم والمسئولية على مرحلة تاريخية بعينها ، سواء فى عهد الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر " أو نظام المخلوع " مبارك " وقد يستند اللوم لحقائق جُزئية ، تؤدى لخروج الموضوع من سياقه الأصلى ، ويرتكب ذات الخطأ الذى يدينه ، فمن يتهم الحقبة الناصرية بانها رسخت فكرة العُنصرية والشوفينية المصرية ، يغفل كثير من تجاوزات ارتكبها اشقاء سعوديين على أرض مصر، وهى جرائم تقشعر لها الأبدان ، أدت الى شعور المصرى بالإمتهان وإهدار كرامته فى بلده ، حيث أنصفهم نظام مبارك وأضاع حقوق لمصريين ، وفى المقابل كان يحدُث العكس تماماً على الأراضى السعودية ، ولا اريد التعرض لتفاضيل حتى لا اساهم فى سكب الزيت على النار ، وازيد من اشتعال الأزمة بين الاشقاء ، لكن الذى لا يمكن إغفاله بأى حال من الأحوال هو ان مشاعر الظلم تجاه المصريين خلقت نوع من الإحتقان الإجتماعى ، وهو الأمر الواجب مُعالجته من طرف خبراء علوم النفس والإجتماع ، وكل صاحب ضمير لديه آلية وامكانية الكتابة ، ولا استثنى كاتب خليجى أو سعودى أو مصرى من هذه المسئولية ، فكلنا رُكاب سفينة واحدة وأصحاب مصالح مُشتركة . أزمة " الجيزاوى " لن تكون الأخيرة من حيث الحدث النوعى ، لكننا نستطيع ان نجعلها الأخيرة من حيث التناول ، وان يسبق هذا وذاك دعوة لمكافحة العُنصرية وتطبيق العدالة بين الأشقاء العرب وبعضهم البعض على كل بقعة من أرض الوطن العربى ، انطلاقاً من رؤى عريضة توضح إشتراك الشعوب العربية فى مصالحهم ، وان كان المصرى يذهب للعمل فى دولة خليجية فهو يعمل لقاء أجر ، وصاحب العمل فى السعودية او غيرها يحتاج جهده او حرفته ، فلا منة من هذا على ذاك ولا صدقة فى مقابل استضافة العمالة الوافدة . اشباه هذه المشاكل والأزمات كانت تحدُث فيما بين الدول الأوروبية وبعضها البعض ، خاصة فى الأزمنة التى سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية ، حيث كانت رؤية الشعب الألمانى هى التفوق ، وينظر لجيرانه فى هولندا نظرة تدنى وعُنصرية ، اما الهولندى فكان ينظُر لجاره البلجيكى نظرة إحتكار ، ويرى انه أفضل منه فى كل شيئ ، على الرغم ان هؤلاء الجيران ( المانيا وبلجيكا وهولندا ) تربطهم أرض واحدة ، ولم تبدأ هذه العلاقات المشوهه فى نهايتها الا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، مع خلق مشروعات أوروبية اقتصادية مشتركة تحقق مصالح كل الشعوب ، تلك التى بدأت بتأسيس شركة الفحم الأوروبية المشتركة ، مرورا بالسوق الأوروبية المشتركة ، وانتهاء بالشكل الحالى للإتحاد الأوروبى ، الذى يضم 27 دولة مختلفة التاريخ واللغة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فالمسيرة الأوروبية فى طريقها لتحقيق حلم " الولاياتالمتحدة الأوروبية " لكل شعوب أوروبا . اذا فعلينا جميعاُ ان نكف عن جلد الذات ، ونسعى للإستفادة من تجاربنا وتجارب الآخرين ، وعل كل إعلامى ان يعمل على التحريض الإيجابى ، لخلق منظومة إجتماعية إقتصادية عربية واحدة ، توحد المصالح وتذيب الخلافات ، وتجهض كل انواع العنصرية ، وان لا يشعرالسعودى بانه أفضل من شقيقه المصرى ، ولا الكويتى على الليبى ، ولا التونسى على المغربى ، فهل نسمع ونعى . .؟! وهل يُدرك الجميع أبعاد وأخطار الفرقة والأزمات بين أبناء الوطن الواحد . . ؟! تخلصوا من الرؤية الآحادية فى الأزمة السعودية وأى أزمة عربية .