كتبت فى وقت سابق مقالة بعنوان " إعدام حُسنية " انتقدت فيها الأعمال الغبية التى يرتكبها الإنسان ، ثم عندما توجه له اللوم وتعاتبه يأتى رده أنه ارتكب فعلته " ب حُسن نية " ، كانت فحوى ما كتبت فى حينه هو تعبير عن غضبى ، من ما أسميهم ب " المُتسلقون الجُدد " الذين ظهروا بعد ثورة 25 يناير المجيدة ، وهؤلاء هم مُحترفى الانتهازية الذين يُطلق عليهم فى عالم السياسة Political Opportunism ، وقصدت فئة بعينها أرادت ولا تزال تتاجر بثورة شباب مصر ، فى محاولات للانقضاض على مكاسبها. هؤلاء البشر نجدهم فى كل أنحاء العالم وليس فى مصر وحدها . . ففى هولندا جاءت مؤخراً مُبادرة حملت اسم " مشروع النور" للتقريب بين هولندا والعالم العربى ، فما كان من صاحبة المُبادرة لا أن اصطحبت " جملاً " ووقفت به فى وسط واحدة من كبريات مُدن هولندا " أوتريخت " لجذب انتباه المارة ، فى تلك المدينة ثم تجوب بالجمل لتكرر ذات المشهد فى عدد 5 مُدن أخرى ، التى يتواجد فيها أهم جامعات هولندا . . وحينما وجه لها زميل إعلامى سؤال جاء فيه : أليس ربط الجمل بالثقافة العربية نوعاً من الصور النمطية المتكررة عن العرب؟ تجيب هى ب "نعم" ولكن هنا بشكل إيجابى" . قد تكون الشابه الهولندية صاحبة مُبادرة مشروع النور حسنة النية ؟! لكنها نية أقل ما يوصف بها أنها افتقدت الرؤية النقية ، وغاب عنها الهدف النبيل ، " من وجهة نظرى الشخصية " ومن خلال تجربتى ومعرفتى وخبراتى الاجتماعية بالشعب الهولندى ، خاصة فى وقت صحوة الشباب العربى ، وتمردهم على الظلم والقهر والتضحية من أجل استعادة حرية ، افتقدناها لسنوات طويلة فى بلاد الربيع العربى ، حيث تتصدر معظم وسائل الإعلام الأوروبية أخبار ثورة مصر فى عيدها الأول . رُبما أرادت بالفعل " من وجهة نظرها " أن الجمل سيساعدها فى تحقيق هدف مشروع النور التى تزعم أنه لمد الجسور بين هولندا والعالم العربى ، أنها إرادة ظاهرها حسن وباطنها يخفى ترسيخ فكرة نمطيه مُتخلفة عن ثقافاتنا العربية ، فالإعلام الأوروبى والهولندى كله يتحدث عن قدرة الشباب العربى على استخدام التكنولوجيا المتطورة ، على أقل تقدير على شبكات التواصل الاجتماعى فى الإنترنت ، وتحريكه للثورات العربية ، ولا أذكر مثلاً العالم المصرى " أحمد زويل " ولا أطالبها أو غيرها بإظهار إرادة شباب مصر المستنير الذى أبهر العالم بثورته ، وأجهض باحتفاله فى عامها الأول توقعاتهم وتمنيات الأعداء بحدوث عُنف وفوضى . صاحبة مشروع التقريب بين هولندا والعالم العربى زارت مصر فى شهر مارس العام الماضى ، وهى تعرف مصر جيداً ، حيث إنها من نشطاء مؤسسة'آيسك‘ (AIESEC) الطلابية المعروفة بأنشطة تبادل الدارسين الجامعيين ، ويُفترض أنها على قدر من الوعى والثقافة ، وتعرف أن تكرار عرض الصور النمطية عن الشعوب ، يؤكد أفكار خاطئة متخلفة ، ولا يُساهم فى التقريب بينها وبين شعوب أخرى . فى تعليق على هذا الموضوع وصلتنى رسالة من شاب عربى يقيم بهولندا يقول : " كم هم أغبياء أنهم حتى لا يدركون أن هذا ليس بجمل عربى ، الجمل العربى طويل الرقبة ذو سنام واحد ( وليس سنامين ) طويل السيقان ، لذا فجسده أكثر ارتفاعًا عن الأرض ، أما هذا فليس هو الجمل العربى ، عمومًا تعلمنا هنا فى هولندا أنهم يخوضون فى كل شىء وفى كل أمر ، ولكن طالما أن نياتهم غير صادقة وغير مُخلصة غالباً ، لذا تجد أن أغلب مشاريعهم الاندماجية والتقريبية فاشلة وغير مؤثرة ، وأهمها مثلا هو تحقيق تقبل الهولنديين للمهاجرين ، والقضاء على التمييز العنصرى بالتوظيف وبالتعامل ويعتبر إلى الآن نظريا غير ناجح ، ولكن عمليا فاشل جدًا ، وكذلك تحقيق اندماج المُهاجرين مع الهولنديين ( تُعد هولندا بحسب تقرير عالمى البلد الأسوأ اندماجًا للمهاجرين فيه مع الناس ) والأقل تعلمًا للغة البلد " . أذكر ذات مرة أنه بعد انتهائى من إلقاء مُحاضرة فى هولندا عن الاختلافات الثقافية بين الشعوب ، أن قدمت لى المؤسسة الداعية لها الخمر" أنينة نبيذ " على سبيل التحية والشكر ، على الرغم من أن جزءًا من مضمون المُحاضرة كان عن تحريم الخمر للمُسلمين فى الدين الإسلامى ، فلم يكن تقديم الخمر لمسلم بحُسن نية ، كما لم تكن فكرة الجمل غير العربى صائبة ، أنه غباء وسوء نية . من ثقافة هولندا السماح ببيع وتعاطى المخدرات . . من ثقافتهم أيضاً شرعية وقانونية ممارسة البغاء . . وغير ذلك الكثير ، فهل تقبل هولندا أن نعرض ذلك فى مصر للتعريف بالشعب الهولندى؟! . . الحمد لله ليس كلهم أغبياء وأشرار ، ولسنا نحن ولن نكون . . وهكذا تمخض الجمل الهولندى فولد شراً . [email protected]