التقينا وزير الخارجية السورى وليد المعلم فى جناحه بأحد فنادق وسط القاهرة، على هامش الدورة 132 لمجلس وزراء الخارجية العرب والتى انعقدت فى مقر الجامعة العربية بالقاهرة أواخر الأسبوع الماضى، تخيم عليها أزمة حادة ومفاجئة اندلعت قبلها بنحو الأسبوعين بين بغداد ودمشق بسبب اتهامات وجهها رئيس الوزراء العراقى نور المالكى لسوريا بتوفير الحماية لجماعات عراقية مقيمة داخل الأراضى السورية ادعى المالكى مسئوليتها عن تفجيرات «الأربعاء الدامى» فى بغداد منتصف الشهر الماضى. ولم تكن الأزمة التى فجرتها اتهامات رئيس الوزراء العراقى بين الجارين العربيين، رغم طابعها المحتدم، فى مقدمة اهتماماتنا ونحن فى طريقنا للحوار مع المعلم. وكنا قد أعربنا منذ شهور عن رغبتنا فى إجراء حوار خاص لجريدة «الشروق» مع وزير الخارجية السورى، وهو دبلوماسى مخضرم، خدم سفيرا لسوريا فى واشنطن خلال 1990 1999، تلك الفترة التى بدت وقتها حاسمة فى عملية السلام على كل من المسارين الفلسطينى والسورى برعاية أمريكية. وشارك المعلم فى المفاوضات السورية الإسرائيلية التى انطلقت فى أعقاب مؤتمر مدريد عام 1991، وحتى نهاية العقد الأخير من القرن الماضى. الحوار مع وزير الخارجية السورى، وهو بالمناسبة حاصل على بكالوريوس فى الاقتصاد من جامعة القاهرة، يثير ما هو أبعد كثيرا من الراهن، ولسنا بحاجة للعودة بعيدا بالذاكرة لسنوات الوحدة المصرية السورية وما أثارته من آمال وأحلام فى قلوب وعقول الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ولكن إلى ما هو أقرب من ذلك زمنا، إلى لحظة حرب أكتوبر التى شكلت ربما الإنجاز الأهم والتجسيد الأرقى للتضامن العربى منذ نشأة الجامعة العربية وحتى يومنا هذا. الحديث عن سوريا، ومعها، يثير أول ما يثير سؤال التضامن العربى، وإلى أين ذهب. وكان هو مدخلنا للحوار مع وزير الخارجية السورى. الشروق: نرجو أن نستهل حوارنا معكم من خارج اليومى والملح. أين ذهب التضامن العربى؟ وبالأخص، هناك اعتقاد لدى الكثيرين أن التضامن العربى يشهد أقصى تحققه وأكثره فاعلية حين يقوم على ما كنا نسميه بمحور حرب أكتوبر، أى ذلك المحور المكون من مصر وسوريا والسعودية. أين نجد الأطراف الثلاثة لمحور أكتوبر اليوم، وهل انتهى حلم التضامن العربى ولم يعد من الممكن استعادته؟ المعلم: فى الواقع، بدون هذا التضامن العربى نحن نسير إلى منحدر. وزن الأمة العربية على الساحة الدولية صار خفيفا، رغم ما تملكه هذه الأمة من إمكانيات بشرية ومادية، نفطية وغيرها، ورغم ما حققته من تطور على صعيد التنمية. السبب هو الانقسامات العربية، وهذه بدورها لها شقان، شق ذاتى وشق خارجى. فمنذ سياسة شرق السويس فى نهاية الخمسينيات والولاياتالمتحدة جاءت إلى المنطقة بثقل كبير، وهذا الثقل مع الأسف يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى. وبالتالى أصبحت السياسة الأمريكية فى المنطقة تخطط فى إسرائيل وتنفذ فى الولاياتالمتحدة. البعد الذاتى بدوره، يتأثر كثيرا بهذا، إما لعوامل اقتصادية أو لعوامل سياسية، وأصبح بعض العرب يعتقدون أن الوقوف لا فى وجه أمريكا نفسها، ولكن فى وجه مصالح إسرائيل، من شأنه أن يغضب واشنطن، وهو ما سيؤدى إلى زعزعة الأنظمة. من هنا فإن ما نجده فى العالم العربى اليوم هو سياسات متباينة وليس موقفا موحدا. وكنا نخشى أن يصل الأمر بهذه السياسات لأن تصيب جوهر الصراع العربى الإسرائيلى، وبذلنا كل جهد ممكن لنحول دون أن يصل الأمر إلى تلك المرحلة، ولكن ومع الأسف نرى اليوم أن هذا الاختلاف فى السياسات قد وصل إلى حد الاختلاف حول تقييم الصراع العربى الإسرائيلى، وهو الوضع الذى سمح للإسرائيليين أن يتجرأوا بالحديث عن تصفية القضية الفلسطينية، ولإسرائيل أن تتجرأ بأن تقول لا حتى للولايات المتحدة، وأن تضاعف من سياسة الاستيطان. ونخشى فى ظل هذا الوضع العربى أن تنجح إسرائيل فى لعبة كسب الوقت التى تمارسها للحد من اندفاع إدارة أوباما لتحقيق سلام فى المنطقة. إسرائيل تتحدث اليوم عن تجميد مؤقت للاستيطان، وهو ما أصبح موضعا للنقاش فى العالم العربى، مع أن البديهيات لا يجب أن تكون موضع نقاش. الاستيطان عمل يخرق القانون الدولى، والمستوطنات غير شرعية، وإلزام إسرائيل بوقف الاستيطان هو مجرد تطبيق للقانون الدولى وليس أمرا يحتاج مكافأة. هذه كلها بديهيات وليست موضعا للنقاش. لذلك وحتى لا نكون مدمنين للشعارات أو مغالين فى الطموحات دعنا نقول يجب أن نلتقى على قواسم مشتركة، يجب أن نبدأ من هذه القواسم المشتركة، من على أرض هذه البديهيات. دعنا نضع قائمة أولوياتنا كالتالى: قضية فلسطين أولا، يتلوها إقامة سلام عادل وشامل، ثم إزالة الخلافات العربية، وأخيرا تحقيق التكامل الاقتصادى العربى. إذا ما سرنا فى هذا الطريق قد نقود هذه الأمة إلى شاطئ الأمان. ومن هنا جاءت دعوة الرئيس بشار الأسد فى قمة الدوحة لخلق آلية لإدارة الخلافات العربية، لأن الوضع العربى يزداد تدهورا. أعود لسؤالك، الهدف ليس محورا مصريا سوريا سعوديا، الهدف هو تشكيل نواة تجمع حولها الجسم العربى. هل هذا ممكن اليوم. أنا بدورى أود أن أطرح هذا السؤال؟ الشروق: فى السياق نفسه، يراود المرء تصور قد يبدو بعيد المنال، ولكن اليوم، وبعد انكسار المشروع العسكرى شديد العنف والعدوانية لجورج بوش ومجىء أوباما لماذا لا يمكن أن نتخيل نوعا من الائتلاف أو صيغة للتعاون بين مصر وسوريا والسعودية من جهة وبينهم وبين الجارين الإقليميين المهمين إيران وتركيا (وسوريا تحتفظ بعلاقات متينة مع كليهما). مثل هذا الائتلاف مجتمعا يمتلك من الناحية النظرية أوراق ضغط شديدة الفاعلية (فى تأمين الانسحاب الأمريكى من العراق، وفى إنقاذ أوباما وحلفائه من مستنقع أفغانستان) يمكنه استخدامها لتحقيق حل عادل وشامل للصراع مع إسرائيل. لماذا لا نجد أى مؤشرات لتعاون، وإنما نجد تنافسا ونزاعا. وليد المعلم: سؤال مهم، لكنهم لا يتنافسون، بل يجب أن يكملوا بعضهم البعض، آخذين فى الاعتبار أنهم ليسوا فى موقع موحد. فمصر لديها اتفاقية مع إسرائيل، على عكس الوضع فيما يتعلق بسوريا. تركيا تقيم علاقات مع إسرائيل، وإيران لا تقيم مثل هذه العلاقات. من هنا أقول إن القواسم المشتركة مهمة، والقاسم المشترك الطبيعى هو أننا نناصر قضية فلسطين. مصر قدمت تضحيات جمة فى المواجهات مع إسرائيل، وكذلك سوريا، وإذا أردنا أن نتوجه نحو السلام، فهذا السلام له متطلبات، وأهم متطلباته أن تكون لدينا رؤية مشتركة: كيف نحقق إقامة الدولة الفلسطينية؟ كيف نحقق حق العودة للاجئين الفلسطينيين؟ مع الأسف لم نصل إلى هذه المرحلة. كما قلت سابقا، المهم ليس إقامة محور، المهم هو تنسيق السياسات والمواقف. أنا أعتقد أن الوزن الإقليمى لهذه الدول مهم، لكنك تحتاج إلى من يتحرك بهذه القناعة. هناك من لا يريد أن يعترف بالدور الإيرانى فى المنطقة، وهناك من يعارض الدور التركى بسبب إرث تاريخى، لكن نحن أبناء اليوم ونتطلع إلى المستقبل. اليوم بين سوريا وتركيا وبين سوريا وإيران علاقات مميزة لا تقوم على أسس طائفية، وإنما تقوم على المصالح المشتركة. لو أن الآخرين نظروا من هذا المنظار لأدركوا أن الأمور ليست كما يتصورونها. الشروق: دعنا ننتقل إلى مسألة أقل عمومية، فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، فمن الناحية النظرية، ولمن ينظر من الخارج، فإن مصر وسوريا لو اتفقتا فى هذا الملف لتحققت المصالحة الوطنية الفلسطينية غدا، فالمتصور نظريا أن البلدين مجتمعين يمتلكان من النفوذ على الأطراف الفلسطينية المعنية ما يمكنهما من ذلك؟ المعلم: أنت بذلك تظلم كلا من مصر وسوريا، لأن القرار الأخير هو قرار فلسطينى. دون شك نحن نعرف أن فتح لديها منهج أيديولوجى، وحماس لديها منهج أيديولوجى أيضا، لكن ما يوحد الطرفان هو خدمة قضية فلسطين. بإمكان مصر وسوريا أن تساعدا وتشجعا وتحثا الطرفين على تجاوز خلافاتهما، مثلا نحن فى سوريا أكدنا للطرفين أننا نقف على مسافة واحدة منهما، ولدينا اتصالات وصلات حميمة مع كلاهما، ولا نشجع طرفا على الطرف الآخر، وأعتقد أن علينا أن نبذل جهدا، وعلى الأشقاء فى مصر أن يبذلوا جهدا، طالما أن الوحدة الوطنية الفلسطينية شىء أساسى لصون قضية فلسطين. نحن لسنا مع مصر فى تنافس ونقدر ما تقوم به، لكن يجب أن يكون القرار النهائى فلسطينيا، وهنا أقول وأناشد الرئيس الفلسطينى محمود عباس ألا يكون طرفا بل أن يكون رئيسا للطرفين. الشروق: هل هناك تنسيق مصرى سورى فى موضوع المصالحة الفلسطينية، وما هو تقييمكم لعدم استجابة حماس للطلب الذى وجهه الرئيس بشار الأسد لخالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس بالسماح لكوادر فتح بالتوجه إلى بيت لحم للمشاركة فى المؤتمر السادس للحركة؟ المعلم: كما قلت سابقا، نحن ننصح ونحث، لكننا لا نأخذ القرار نيابة عن الفلسطينيين. فى نهاية المطاف القرار قرارهم. بالفعل نحن بذلنا جهدا لدى الطرفين، لتأمين إطلاق معتلقى حماس فى رام الله ومعتقلى فتح فى غزة، وللسماح لممثلى فتح بحضور المؤتمر السادس للحركة. مع الأسف هذه الجهود لم تنجح، وأنا أحمل الطرفين المسئولية. فى رام الله كان هناك خلاف حول عدد المعتقلين، وكان هناك خلاف حول أسماء المعتقلين، وحول من هو معتقل سياسى ومن هو معتقل جنائى، ولذلك لم ننجح فى إقناع الطرفين بأن يتقدما باتجاه بعضهما إلى نقطة وسط. ومع ذلك لابد أن أشير إلى أن السلطة فى رام الله أطلقت 200 معتقل من حماس، ووعدت بأن تتابع هذه الملف، وحماس بدورها سمحت لمن غادر غزة أن يعود إلى غزة. وأعيد التأكيد على أن القرار النهائى هو فلسطينى، وهذا برهان على ما قلته. أما فيما يتعلق بموضوع التنسيق مع مصر، فلا يوجد تنسيق سورى مصرى فى هذا الملف، صحيح زارتنا وفود أمنية مصرية، لكن كانت اتصالاتها منحصرة بقيادات حركة حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية الموجودة فى سوريا، ولم يطلعنا الإخوة فى مصر على المستجدات فى الحوارات التى تجرى، لكن أعتقد أننا ومصر نسير وفق توجهات الجامعة العربية. الشروق: هل أنتم متفائلون بإمكانية تحقيق تقدم على صعيد المصالحة الوطنية الفلسطينية؟ المعلم: سؤال مهم جدا. أعتقد أن اليوم والوقت قد حانا من أجل هذه المصالحة، وهناك أرضية موضوعية لذلك. أولا، نظرا لسياسة الحكومة الإسرائيلية فى قضية الاستيطان، وفيما تفعله من تهويد فى القدس وحصار لغزة، وهو ما يؤكد الاحتياج إلى وحدة الفلسطينيين. ثانيا، هناك انتخابات فلسطينية برلمانية ورئاسية ستجرى، وثالثا، فإن مؤتمر حركة فتح السادس أعاد الوحدة للحركة، كما أعاد التفويض للرئيس محمود عباس، وهذا عامل مهم يعزز الثقة بالنفس. وفى المقابل، لم تحدث انشقاقات فى صفوف حركة حماس كما كان يتوقع البعض، ورغم كل الحصار المفروض على قطاع غزة، برهن سكانها على قدرتهم على الصمود، والأهم من هذا وذاك الخطر الجاسم من إسرائيل، وانكشاف وهم عملية السلام على المسار الفلسطينى. إذا استمر هذا الانقسام أشك كثيرا فى أن يحصل الشعب الفلسطينى على الحد الأدنى من حقوقه، وبذلك أصبح الواجب عودة اللحمة الفلسطينية، إذ إن الظروف الموضوعية توافرت، والغلاف العربى يتطلع إلى هذه الوحدة الفلسطينية، كمطلب مهم جدا. هناك من يقول، ولكن إدارة أوباما تعارض هذا، وأنا أقول إن هذا شأن فلسطينى، ولماذا لا يعارضون تركيبة الحكومة الاسرائيلية، هل هناك من هو أكثر تطرفا على الجانب الفلسطينى من ليبرمان؟ الشروق: على ماذا يعول العرب فى عملية السلام حتى يدور الحديث على تقديم هدايا مجانية تشجيعا لإسرائيل. صحيح أن إدارة أوباما تحدثت عن تحقيق السلام الشامل خلال عامين، ولكن ما يجرى على الأرض لا يوحى بأى تقدم، ونتنياهو يتحدى أوباما، ويبدو أن أوباما، حتى لو أراد فهو حاليا أضعف من أن يمارس ضغطا فعليا على إسرائيل. المعلم: بعد جلسة مجلس وزراء الخارجية الأربعاء الماضى فى الجامعة العربية، والاستماع إلى سرد وزير خارجية فلسطين حول الاستيطان هو جاء من رام الله، ويرى بعينيه ما يجرى هناك لم أسمع وزيرا عربيا يتحدث عن مكافأة إسرائيل على تجميد الاستيطان. وكلمة التجميد تعنى إلى حين، ولو قبلنا بهذا لكان معنى ذلك اعترافنا بشرعية الاستيطان. الاستيطان هو عمل ضد القانون. المسألة ليست أن الاستيطان عقبة فى وجه السلام، فاستمرار الاستيطان يعنى لأنه لن يكون هناك سلام، فلن يبقى للفلسطينيين أرض يتم التفاوض حولها. الشروق: وماذا عن تفعيل المسار السورى، خاصة أن هناك حديثا فى دوائر صناعة القرار فى واشنطن على إمكانية تحقيق تقدم سريع على المسار السورى، على خلاف المسار الفلسطينى. إلى أى نقطة توقفت المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل؟ المعلم: أولا، الموقف السورى واضح، نحن لا ندخل فى لعبة سباق مسارات. ثانيا، أوضحنا جليا فى محادثاتنا مع الأمريكيين أن السلام الشامل لا يكون إلا بتسوية عادلة وشاملة لقضية فلسطين. إذن قضية فلسطين هى الجوهر، لكن السلام العادل والشامل يجب أن يتضمن الانسحاب الإسرائيلى من كل الأراضى العربية، فى الجولان، وفى القدس، وفى الضفة الغربية، وفيما تبقى من أراضى لبنان المحتلة، مقابل السلام، هذه هى المبادرة العربية. الآن هناك حديث عن أن إدارة أوباما ستتقدم بورقة بأفكار حول عملية السلام، أنا أعتقد أن قضية السلام لا تحتاج لأفكار جديدة، وأكرر أنها لا تحتاج لا إلى أفكار ولا إلى أوراق ولا إلى خطة عمل. توجد مبادرة سلام عربية أقرت فى قمة بيروت، وحظيت بإجماع دولى. هذه المبادرة شاملة ومتوازنة، لماذا نحتاج إلى مبادرات جديدة؟ نحن بصراحة نرى أن متطلبات عملية السلام أقرت فى مرجعية مدريد، وأى خروج عن هذه المتطلبات بأى خطة أو أوراق هو نكسه لعملية السلام. متطلبات استئناف المحادثات واضحة وأى خروج عن هذه المتطلبات لن يفضى إلى السلام. أما ما جرى على المسار السورى فنحن استفدنا من تجربة المفاوضات المباشرة التى جرت ما بين عام 1991 إلى عام 2000، ولم تؤد إلى نتيجة. كانت المفاوضات مباشرة وبرعاية أمريكية، لذلك عندما جاءنا الأتراك يعرضون التزام أولمرت بالانسحاب التام من الجولان، ورغبته فى استئناف المحادثات على المسار السورى، قلنا لن نعود إلى محادثات مباشرة إلا بعد أن نضع أرضية صلبة تقود إلى المحادثات المباشرة، وذلك حتى لا نضيع الوقت دون جدوى. وكان الاتفاق على التركيز على نقاط علامة على خط الرابع من حزيران 1967، إذا ما اتفق عليها، واتفق على مسار الترتيبات الأمنية، ساعتها يصبح المسار السورى جاهزا للانطلاق نحو مفاوضات مباشرة برعاية دولية وأمريكية. لذلك أحرزنا تقدما، لكن هذا لا يعنى أننا وصلنا إلى بناء قاعدة صلبة لاستئناف المحادثات، آخذين بعين الاعتبار أنه لن يكون هناك سلام شامل دون تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتجارب التى جرت فى كامب ديفيد ووادى عربة تؤكد ذلك. الشروق: هناك تحول واضح ولعله جذرى فى العلاقات السورية الأمريكية منذ وصول أوباما للرئاسة الأمريكية، فهناك تحسن واضح فى العلاقات، مقارنة بالوضع خلال فترتى إدارة بوش التى كانت تتعامل مع سوريا كعدو. كيف تقيمون هذه العلاقات الآن، وما مدى التحسن فيها؟ المعلم: دون شك، يوجد اختلاف جوهرى بين إدارة بوش وإدارة أوباما. إدارة بوش كانت تقيم مواقفها بناء على أن كل من ليس مع الولاياتالمتحدة ومع منطقها فهو عدوها، بينما إدارة أوباما لا تسير حسب هذه التصنيفات، وإنما تقيم سياستها على الحوار، والحوار مهم، وكنا ننادى به منذ زمن، لكن حتى الآن أقول بصراحة، هناك أسئلة كثيرة فى الشارع العربى تطرح، من بينها: هل الرئيس أوباما قادر على تلبية وعوده؟ نحن كنا ننتظر من إدارة أوباما أن تساعدنا، وإذ المطلوب أن نساعدها. نحن نقدر للرئيس أوباما أنه وضع عملية سلام شامل فى أولوياته، وعين مبعوثا موضوعيا، لكننا أيضا نعرف أن هناك فى واشنطن لوبيات، ومراكز أبحاث، وضغوطا، ومشكلات كبيرة مثل مشكلة الأزمة الاقتصادية، ومشكلة الضمان الصحى، والوضع المتدهور فى أفغانستان، لذلك نتساءل من يساعد الآخر؟ وفى الحقيقة فإن أهم من يمكنه أن يساعد أوباما فى اللحظة الحالية هو الاتحاد الأوروبى. الاتحاد الأوروبى هو الشريك التجارى الأول لإسرائيل، وليس الولاياتالمتحدة. إذن على الاتحاد الأوروبى أن يتخذ إجراءات تجاه إسرائيل لمساعدة أوباما. العرب أيضا بإمكانهم أن يساعدوا أوباما. فإذا ما وحد العرب موقفهم فى مناصرة قضية فلسطين، وفى الوقوف موقف حازم ضد الاستيطان، سيساعدون أوباما فى تحقيق سياسته. يجب ألا نضيع البوصلة. الطريق واضح، فهل ينجح الرئيس أوباما أم لا؟ هل يقدر على مواجهة تحدى إسرائيل لسياسته؟ إذا لم يستطع فعلى الأقل يجب عليه أن يقول للعالم العربى والإسلامى وللمجتمع الدولى: هذه هى رؤيتى، لكن إسرائيل ما زالت تقف عقبه فى طريق تحقيق وعودى. يجب أن يصارح الرأى العام بهذا على الأقل، لكى يفسر إننا، وبعد 9 أشهر من قيام هذه الادارة بمسؤليتها نسمع كلاما جميلا لكن ما زلنا ننتظر الأفعال. يجب ألا نتوقع الكثير، ونقول إذا ما تفاءلنا للغاية، إننا نأمل أن تصحح إدارة أوباما أخطاء الإدراة السابقة. الشروق: ننتقل إلى الأزمة الأخيرة فى العلاقات السورية العراقية، وتقديركم للموقف الحالى، خاصة أنه فى اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير اتخذت قرارات لتهدئة الموقف بين الطرفين، واحتواء الأزمة، مع استمرار الوساطة التركية؟ المعلم: أولا، نحن، ومنذ الاحتلال الأمريكى للعراق، طالبنا وما زلنا نطالب بصون وحدة العراق أرضا وشعبا، وباستقلال العراق وبمنع التدخل بشئون العراق، وببناء جيش وطنى عراقى يصون أمن العراق. هذا موقفنا منذ العام 2003 وما زال، ومع الأسف انفجرت صراعات سعدنا أنها لم تتحول إلى صراعات طائفية دموية، وأشدنا بالانتخابات المحلية الأخيرة، والتى برهن العراقيون فيها على تمسكهم بهذه المبادئ التى أعلناها منذ 2003. نحن نقول نريد أن نرى العراق عربيا إسلاميا، والعراق عضو مؤسس فى الجامعة العربية، ولن ندخل بعلاقتنا مع العراق فى تنافس مع الآخرين. نحن نريد من العراق أن يجهز نفسه لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكى، وحتى يستطيع العراق أن يفعل ذلك لابد أن يجمع العراقيون على أهمية المصالحة الوطنية بين مختلف مكوناته دون استثناء، وأن يؤكدوا على هوية العراق العربية. ربما هناك فى القيادات السياسية العراقية من لا يريد ذلك، من لا يريد للمصالحة الوطنية أن تتحقق، ولترسيخ هوية العراق العربية ألا تتحقق. أنا لا أملك معلومات عمن هو المسئول عن التفجيرات (الأربعاء الدامى) وحتى الآن لم يقدم لنا دليلا محسوسا عن ذلك. كل ما لدينا بيان صدر عن القاعدة بتحمل مسؤلية هذه التفجيرات. ما نشعر به أن هناك خلطا مقصودا من قبل الحكومة العراقية بين شيئين، بين التفجيرات الدامية يوم 16 أغسطس، وبين من يعارض الحكومة العراقية من اللاجئين السياسيين فى سوريا. استغلت هذه التفجيرات لتصفية المعارضين العراقيين المقيمين فى سوريا. ولذلك استجبنا لما طرح من قبل الوزير التركى والأمين العام للجامعة العربية بشأن انعقاد اجتماعات أمنية تدرس الأدلة فى شأن هذا التفجير، وقد يكون هناك تعاون فى كشف المسئولين عن هذه التفجيرات، أما فيما يتعلق باللاجئين السياسيين، فهؤلاء راغبون فى المشاركة فى العمل السياسى داخل العراق، هؤلاء يمثلون البعد القومى العربى، هؤلاء يساهمون فى ترسيخ هوية العراق العربية. هل أصبح ذلك ممنوعا؟، هذا هو السؤال. وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى لم يقدم دليلا، ولم نطلب منه دليل، لأنه ليس المختص، لكن فصلنا بين الحالتين. قال مرارا إن سوريا ليست متهمة، وأن التوجه إلى مجلس الأمن لا يعنى به سوريا، ولكن هذا أمر يعنيهم بالأساس، أما نحن فنقول انه كان بإمكاننا وهذا ما أبلغته لزيبارى منذ اليوم الأول أن نجلس معا بروح موضوعية حريصة على مصالح الشعبين لكى نساعد بعضنا فى الكشف عن المسئولين. ما أخشاه هو أن هذه التفجيرات الدامية استغلت لأغراض سياسية تستهدف معارضى النظام العراقى وهوية العراق العربية، وإلا لماذا تتهم سوريا. لأن سوريا بقيت قاعدة وحصنا منيعا يحمل راية القومية العربية.