بدأت أزمة جلد الطبيبين المصريين فى السعودية وستنتهى كما كل الأزمات التى تصادف العمالة المصرية فى بلدان الخليج، كل هذا الغضب والجدل والتراشق لم يرشدنا فى النهاية إلى حل للمشكلة الحالية، أو للأزمة بشكلها العام، نحن نفتح سباق الصخب ثم نهدأ بلا معنى وبلا نهاية فيما المشكلات والأزمات مستمرة بلا نهاية، وفيما الإهانات تتكرر بصور متعددة، بعضها يخرج للعلن بالمصادفة أو تحت إلحاح القهر، وبعضها يبقى حبيس الأدراج والصدور إلى الأبد. الدولة من جانبها تتصور أن المشكلات الفردية لا ينبغى أن تؤثر على علاقات الأشقاء، وتعتبر أن مصالح ملايين المصريين العاملين فى الخليج خير وأبقى من الانحياز لكرامة بضعة آلاف يأكلهم الظلم هنا أو هناك، أما الناس من جانبهم فيرون أن الانحياز لهؤلاء الآلاف والدفاع عن الحقوق الفردية للعمال فى المهجر، خليجيا كان أو غير ذلك، هو الضمان الأول لاستمرار تدفق العائدات، وهو اللبنة الأولى لرفع مستوى التقدير للعمالة المصرية فى هذه البلدان. قضية الطبيبين سبقتها قضايا أخرى فى بلدان متعددة، كلها سقطت فى صراخ دائم دون أن يبادر أحد من الحكومة إلى دعوة رشيدة تضع مشكلات المصريين فى الخارج على طاولة نقاش جاد، بيننا أولا فى الداخل، ثم مع أشقائنا على الضفة الأخرى من البحر الأحمر ثانيا، القضية ليست فى حكم بالجلد، أو فى إهانات فردية، أو فى تمييز يصل إلى حد العمد أحيانا ضد المصريين، لكن القضية هى فى الطريقة التى ينظر إلينا بها هؤلاء الأشقاء، وفى مستوى الاحترام الذى تقدمه هذه البلدان لعمالتنا الوافدة، بدءا من عمال البناء وحتى الأطباء والمهندسين والقضاة وأساتذة الجامعات. لا نريد هنا أن نواصل الصراخ، ولا نريد أن نزايد فى ساحة اللوم والتراشق والإهانات المتبادلة مع الأشقاء أو الأصدقاء، ولكننا نريد لهذه الحادثة التى آلمت الرأى العام ألا تدفن فى الأدراج كالعادة، ونتطلع إلى أن يتم التأسيس على كل ما جرى فى اتخاذ خطوة علمية نحو إعادة صياغة شكل علاقات العمل بين عمال مصر والبلدان التى تستقبلهم فى الخارج، ربما يكون الحل هو الدعوة إلى مؤتمر وطنى يطرح هذه القضية للنقاش ليضع توصياته للحكومة، وربما يكون الحل أيضا عبر تحرك أكثر يقظة من وزارتى الخارجية والقوى العاملة على مستوى الأفكار والمشروعات والنشاطات الدبلوماسية والاتفاقات العمالية مع بلدان العالم، أو ربما يكون الحل بدعوة الجامعة العربية ومنظمات العمل إلى مؤتمر إقليمى أوسع يرسم صورة عن قرب لمشاكل العمالة فى الخليج العربى، ويقدم حلا يليق (بالأشقاء) لا (بالأجراء). نعرف أن الآلاف من عمالنا فى الخارج يتنازلون طوعا عن بعض حقوقهم العمالية والقانونية أملا فى أن تمر سنوات الغربة المضنية ليعبروا جسر الفقر بكل السبل، ونعرف أيضا أن بعضهم صادفته ظروف أفضل أو أوضاع أكثر إنسانية، لكن بين الفريقين لا يمكن بأى حال أن نترك الأمر للصدفة، ولا يمكن أن تتكرر الانتهاكات بلا نهاية ولا يجوز أيضا أن نلتزم الصمت نحو إهانات متكررة لا تنال من الأفراد فحسب بقدر ما تصيب مشاعر الأمم وكرامتها وكبرياءها الذى لا تعوضه كل ملايين الأرض. نحن نحتاج إلى توجه استراتيجى جديد، تحافظ من خلاله الدولة على علاقاتها (بالأشقاء) ولكن ليس على حساب (الأبناء) فى الخارج. والله ثم بلادنا من وراء القصد.