جاء حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي مع طلبة ما يسمى بالبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب على القيادة محبطا للغاية ، خاصة ما يتعلق بالأوضاع في سيناء وعمليات التهجير الجماعي للأقباط من العريش ، فقد طوف السيسي بالكلام وشرق وغرب بعيدا عن جوهر الموضوع وصلب المشكلة ، وهي نجاح تنظيم إرهابي في تهجير الأسر المصرية ليثبت عجز الدولة وفشل نظامها السياسي على مدار ثلاث سنوات على الأقل في مواجهته أو تقليل مخاطره ، الكارثة الأكبر في حديث السيسي أنه لم يبد أي غضب مسئول أو رفض حاسم لتهجير الأقباط ، بل تعامل معه باعتباره رد فعل عاديا من الأسر لإحساسها بغياب الأمن والخوف حسب قوله وأنه عندما يعود الأمن فمن المؤكد أن تلك الأسر ستعود ، محبط جدا أن يتحدث رئيس الجمهورية كمحلل سياسي ، أو مراقب للأوضاع الأمنية ، وليس بوصفه المسئول الأول عن الأمن وعن حماية الوطن والمواطن وعن تأمين حياة الناس واستقرارهم . الشعب ليس بحاجة لكي يتحدث له رئيس الجمهورية ليقول له : (أن استهداف المواطنين في العريش يستهدف النيل من الوحدة الوطنية من مجموعة تعمل على إشاعة الخوف والرعب والفزع والتشكيك في دور الدولة وحماية المواطنين) ، هذا الكلام يدخل في باب الشرح في المشروح ، أو كما كانت العرب قديما تقول : فسر الماء بعد الجهد بالماء ، هل هناك مصري أو خواجة لا يفهم أن الإرهاب يستهدف الأقباط لضرب وحدة الوطن ونشر الخوف والفزع والتشكيك في دور الدولة ، لكن الحقيقة الجديدة فعلا في ذلك هي أن الإرهاب نجح فعليا في تلك الأهداف حتى الآن ، وأن كلام الرئيس كأنه "تطبيع" لتلك النتائج والأوضاع الجديدة ودعوة الناس للتعايش معها ، هذا خطير جدا ، فالشعب عندما يستمع إلى رئيس الجمهورية لا ينتظر أن يسمع العبارة التي قالها أمس : (الأسر عندما وجدت عدم اطمئنان في العريش انتقلت للعيش في مكان أكثر أمانا إلا أن الأزمة ستنتهي وسيعود الجميع إلى منازلهم) ، هذه عبارة يقولها أحد النشطاء من مؤيدي السيسي أو أحد إعلامييه أو منظريه السياسيين ، لكن رئيس الجمهورية ينتظر منه شعبه موقفا وقرارا وإجراء حاسما ورادعا لتصحيح الأوضاع ، قرارا فوريا بعودة المهجرين وبسط الجيش والشرطة حمايتهم عليهم ، هذه وظيفته وهذا دوره . لم يدخل السيسي طوال كلمته الطويلة في صلب الموضوع ، ولم يجب على السؤال البديهي ، كيف عجزت الدولة عن حماية الأقباط ، وكيف سمحت بتهجيرهم من ديارهم ، ولماذا لا يعودون اليوم بقوة السلاح والقانون مع فرض الحماية الكافية عليهم وعلى مصالحهم ، هل تريد من مواطن أن يصدق أن قرابة اثنين مليون مقاتل في الجيش والشرطة مسلحين بطائرات وحوامات وصواريخ ومدفعية ودبابات ومدرعات واستخبارات وأمن وطني وأمن كوني يعجزون عن حماية مائة أو مائتي أسرة قبطية في العريش ، حتى لو اضطروا إلى نقلهم إلى مناطق داخل المدينة يسهل حمايتها ، وليس تهجيرهم إلى خارج المدينة بالكامل وتفريغ شمال سيناء بشكل تدريجي من البشر ، وهو ما طرح شكوكا واتهامات لا داعي لوضعها هنا ، لأنها خطيرة ولا نريد الاستسلام لتكرارها الذي ربما يفضي لتمهيد العقول لاستقبالها . لقد قدم السيسي في كلمته إشارات لافتة من مثل أنه قد عرضت عليه قبل 40 شهرا خطط لإخلاء العريش من سكانها لكي يسهل مكافحة الإرهاب وإنهائه ، لكنه رفض تلك الخطط ، ولا أعرف من هذا "الحكيم المخلص" الذي عرض عليه تلك الخطط الرعناء وهل هو مصري أم جار غير شقيق ، كما لا أفهم أي منطق في أنه كلما نشط الإرهاب في مدينة تكون الخطة إخلاؤها من سكانها لكي يسهل مواجهته ، وبهذا الشكل سنقوم بتهجير الشعب كله إذا نجح الإرهاب في التمدد من مدينة لأخرى ، حتى العاصمة نفسها ، هل هذا كلام يعقل أو يصح طرحه من حيث الأساس ، ثم إن حديث السيسي عن أن (إجلاء القرى والمدن ليس بالأمر الصعب ولكننا لم نفعل ولن نفعل ذلك) ، هو مع الأسف كلام غير دقيق ، لأن عملية الإخلاء حدثت بالفعل سواء من قبل الدولة وبقرار مباشر منها كما حدث في رفح ، أو "بتفهم" الدولة وسماحها بذلك كما هو الحال في العريش والشيخ زويد طوال العامين الماضيين انتهاء بتهجير الأقباط أيضا ، والشيء بالشيء يذكر ، أنه رغم إخلاء رفح وتهجير الشيخ زويد إلا أن المواجهات مازالت مستمرة فيهما مع الإرهاب وقواتنا تنزف من الهجمات المتنوعة ، أي أنه حتى الإخلاء وحتى غلق الأنفاق وحتى عمل حاجز مائي ، كل ذلك لم ينه المشكلة ، وكان ينبغي أن تكون تلك التطورات كاشفة لفشل تلك الأفكار "البدائية" التي تتحدث عن إخلاء المدن من سكانها لتسهيل مواجهة الإرهاب . من الصعب على الإنسان اعترافه بالفشل ، لكن من سوء التقدير وسوء الظن أن يتصور "المسئول" أن الناس لا تستطيع أن تميز بين الفشل والنجاح . https://www.facebook.com/gamalsoultan1/