فى السياسة لا توجد معادلات صِفرية، ولا يوجد المطلق فى الحسابات والمكاسب والخسائر، لا يوجد فى السياسة مبدأ "كل شىء أو لا شىء"، وإنما تكسب أشياء وتخسر أخرى، وتنجز خطوات وتتعثر أخرى، والعبرة فى المحصلة الإجمالية، والشيخ حازم أبو إسماعيل هو مشروع سياسى مهم ورائع لمصر فى تلك المرحلة؛ لأنه ببساطة يمزج بين روح الثورة وشبابها وصفائها وعفويتها وجسارتها، وبين القِيَم الإسلامية المعبرة عن هُوية الأمة، هو صيغة جديدة لم تألفها الحياة السياسية من قبل، ولا حتى التيار الإسلامى، هو أول تيار سياسى شعبى واسع يتشكَّل من الشارع، بلا جماعة ولا حزب، وقد تولد هذا المشروع من رَحِم اقتحام سباق الترشح لرئاسة الجمهورية، وتطوَّر من خلال تلك الحملة، فإذا انسدَّت آفاق ذلك السبيل فلا يعنى ذلك انتهاء كل شىء ونهاية المشروع، وإنما يعنى البحث عن سبيل أو سبل أخرى للفعل السياسى، دون أن يعنى ذلك تنازُلك عن حقك فيما سبق، ومن ثَم، فإن دعوة الشيخ حازم وأنصاره إلى سرعة البحث عن طريق جديد للمشاركة السياسية تأتى من أهمية عدم إهدار الوقت فى الصراخ على ما فات، وتصريف طاقات الرغبة فى التغيير فى فراغ، وإنما من حق الوطن على الجميع أن يستثمروا هذا الزخم فى صياغة رؤية جديدة وطريق جديد للمشاركة الفاعلة فى مشروع النهضة والإصلاح الذى تُقبِل عليه مصر. الحديث عن فساد فى القضاء أو فى الإدارة أو فى الأحزاب أو أى مؤسسة رسمية لن يفيد كثيرًا، ولن يضيف إلى ما هو معروف المزيد، أنت تشرح فى المشروح؛ فذلك رُكام سنوات من القهر والتهميش والفساد والإفساد فى كل خلايا الوطن، كما أن تصور أن كل هذا الركام من الفساد والاضطراب واختلال موازين العدل يمكن أن نصلحه طفرة أو فى خُطوة واحدة هو وهم وقلة خبرة بالسياسة والتاريخ معًا، التطهير والإصلاح يحتاجان إلى صبر، ويُنجزان بالتراكم وطول النفس مع الإصرار، ولو تولى الشيخ حازم رئاسة الجمهورية فلن يمكنه أن يحقق رؤيته للإصلاح دفعة واحدة، وسيحتاج إلى سنوات من أجل إنجاز خطط التطهير والإصلاح والنهوض، ومصر فى المستقبل لن تكون كما كانت فى الماضى، ولن تكون دولة الرجل الواحد، وإنما دولة مؤسسات وأحزاب فاعلة هى التى تحدد خريطة الدولة، وهى التى تُمسك بمقاليد التشريع والرقابة والتنفيذ، كما أن القدر المتيقن الآن أن الدستور المصرى الجديد سيقلص صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل كبير، بحيث لا تصبح له تلك الهالة والطغيان فى الهيمنة والقرار، وباختصار، فخروج الشيخ حازم من سباق الرئاسة ليس نهاية المطاف، ومَن يدرى لعل الخير فيما كنتَ تكره، وقد تكون البركة والعمق والامتداد والتأثير فى صياغة المجتمع الجديد والدولة الجديدة عبْر حزبه السياسى هى الأفضل والأبقى، ولقد قابلت واستمعت إلى عشرات من أصحاب الوجاهة الدينية والعلمية والأكاديمية والسياسية، وهم يُجمِعون على أنه لو تشكَّل حزب جديد عبر هذا التيار فإننا سنكون فى القلب منه، وهذا مؤشر على أن ذلك الحزب هو ابن اللحظة التاريخية، والأحزاب التى تولد عفويًا وشعبيًا فى لحظات تاريخية هى التى تصنع التاريخ، وهى التى توجه مسارات الأحداث، هذا درس التاريخ فى كل مكان وزمان. كل ما سبق لا يمنع أن يحتج تيار "حازم" على الظلم الذى تعرَّض له بإبعاده عن سباق الرئاسة، وأن يسجل احتجاجه وسخطه اليوم وغدًا وبعد غد، ولا يمنع أن يشاركوا بقية القوى الوطنية فى مليونياتها، بل يكونوا فى طليعة المليونيات كقوة شعبية وُلدت من رَحِم الثورة، ولكن يكون ذلك كله فى إطار جهد سلمى متكامل يدعم المشاركة ويضغط من أجل الإصلاح، ولا يفقد ثقته بقدراته على الاستمرار، ولا تغيب عنه العقلانية والتوازن تحت أى ضغط، ولا يكون بديلاً عن العمل المؤسسى من خلال حزب سياسى؛ لأن "المؤسسية" هى التى تحفظ المشروع، وتطيل عمره، وتبلور أفكاره، وتفرض احترامه على الداخل والخارج، وتقرِّبه أكثر من تحقيق أهدافه فى الواقع العملى. [email protected]